+ A
A -
منذُ أيّام صدَرَ عن دار زكريت للنشر كتاب «الخُرُوج إلى النُّور»، الذي يضُمُّ مجموعة من المَقالات في الفِكر والأدَب والثقَافَة، وهي مجموعتي الثالثة من كُتُب المقالات التي نشرتها في إصداراتٍ متواترة خلال العامين الماضِيين وهي: كتاب «ريشة حبر»، وكتاب «الخروج إلى الداخِل»، وفي هذه المجموعة الجديدة الموسُومَة بـ (الخُروج إلى النُّور) أُحاوِل أن أُقَدِّم عددًا من الرؤى الفكرية الأدبية الثقافية المختلفَة التي أُحاولُ، قدرَ المُستطاع، أن أخرُجَ مِنها بنورٍ وإصلاحٍ وفائدةٍ وخير، وذلك إيمانًا منِّي بأنَّ المقالَ الرصِين بابٌ ثريٌ وعظِيم من أبواب العِلم وطريقٌ واسِعٌ لنشِر المعرفَة والفِكر والتأثير الإيجابي على القُرّاء. إنَّ فنّ المقالة الصحفيَّة الحديثة عُرف في القرن الثالث عشَر الهجري، أي بعد ظهور المطابع الذي تبعهُ انتشارٌ للصحافة، وفي القرن الرابع عشر الهجري كانت الصحافة قد ازدهرت في العالم العربي وأصبحت قبلةً للأُدباء والكُتّاب الذين كانوا ينتظمون في كتابة المقالات الصحفيَّة المختلفة التي عكسَت أفكارهم وهموم وتحدّيات زمانهم. أما المقالة في الأدب العربي القديم فهي من الفُنون العتيقة التي ميَّزت هذا الأدب والتي تميَّز بها عددٌ من أكابِر كُتّاب الأدب العربي القديم، أمثال: الجاحِظ وعبدالحميد الكاتِب. وفي العصر الحديث، أخذت المقالة شكلاً وطابِعًا مُغايرًا لما كانت عليه في سابِق عهدِها، فأصبحت محدودة الحجم نسبيًا ومركزة في قضية واحدة أو وجهة نظر واحدة تقريبًا وتشعباتِها بشكلٍ منظَّمٍ ومشوِّق وتنوعت مجالات المقالة؛ فهي لم تعُد فقط قطة نثرية أدبية جميلة مطرزة باللغة والتعبيرات الرفيعة، إنما شقَّت طريقها الخاص فتناولت مواضيع مختلفة؛ لذا نجد اليوم تفرُّعات كثيرة في أنواع المقالات التي ترى النور ومن هذه التفرُّعات التالي: «المقالة الدينيَّة، المقالة الاجتماعيَّة، المقالة السياسيَّة، المقالة النقديَّة، المقالة الوصفيَّة»، وفي تقسيمٍ آخرٍ يقدِّمُه بعض الأُدباء والنُقّاد للمقالات، حيث يصنفونها إلى نوعين: «المقال الذاتي، والمقال الموضوعيّ»، ومن أبرز هذه الأنواع هي المقال الصحفيَّة، ويُعرِّفُها الكاتب عبدالوهّاب إسماعيل بالتالي: «مقالٌ يقومُ بشرح وتحليل الأحداث الراهنة وسرد آراء الكُتَّاب والمُفكِّرين، ولا يُقتصر في المقالات الصحفية على سرد الأخبار السياسيَّة فحسب، بل يتطرق المقال إلى المجالات الاقتصادية، والعلميَّة، والاجتماعيَّة.. إلخ، ومما يُميِّز المقال الصحفي أن الحياة بكُلِّ ما فيها هي موضوعه الرئيسي، وبناءً على ذلك فإن المقال الصحفي يؤدِّي أدوارًا عديدةً منها: تقديم المعلومات للجمهور، شرح وتفسير الأحداث الراهنة، الدعاية السياسية، نشر التوعية بقضيةٍ ما، نشر الأفكار، المُساهمة في نقل الرأي العام إلى المسؤولين». ومهما اختلفت هذه التصنيفات يبقى أنَّ المقال الحديث أصبح زادًا يوميًا للقُرّاء في مختلف وسائل الإعلام الكلاسيكيَّة والجديدة لما تحملُهُ من مواضيع ورؤى مهمَّة تهم الجماهير وتؤثِّر في اتجاهات الرأي العام. قارئي العزيز، رُغم أنّ عُمر قلمي لا يتعدَّى في ميدان المقالة الصحفيَّة؛ أربعة عشرَ عامًا، فإنني حاولت بما يسَّرَهُ اللهُ تعالى لي ألا تُطوى مقالاتي المنشورة في الصُحف وأن تطالَها يَدُ النسيان وأن تعدو عليها عوادي الضياع؛ ارتأيت أن أُخرِجها إلى النور في شكل كُتُب راعيت فيها انتقاء المقالات التي تصلُحُ موضوعاتها للنشر في كتاب. وفي «الخروج إلى النُّور» أٌقَدِّمُ محاولَةٌ أدبيةً جديدة أبتغِي بها الهِداية والاستهداء؛ بحثًا وخروجًا إلى (النُور)، هذه الكلمة المجازِيَّة التي أعنِي بها الصَلاح والخَير والاستقامَة أي إلى جادَّةِ حَقٍّ تُخرجُنا من ضِيق الظُلمَة إلى فُسحَة النُور، فإنَّ كُلَّ الإشكاليات والتحدِّيات من حولِنا تدفعُنا إلى استجداء ذلك النور واستنهاضِهِ من جديد؛ إعمارًا لهذهِ الأرض، وتحقيقًا للخير والسَلام. يقولُ الباري في مُحكَمِ تنزيله: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ? أُولَ?ئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ? هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ». وفي الختام، لا يسعُنِي إلّا أن أسألَ اللهُ العلِيَّ العظيم أن ينفعني بهذا المولُود الأدبي الجديد وأن يجعَلَهُ خالِصًا لوجههِ الكريم، فإن كُنتُ قد أصبتُ في ما قدَّمت في هذه المقالات المجموعة تحت سقفِ كتابٍ واحِد فذلك الفضلُ العظيم من الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي وحَسبِي أنِّي عمَلت واجتهدتُ بما يُسِّرَ لي باذلة الغاية القُصوى للوُصُول إلى الهدَف، سائلة الله تعالى أن يجزِي عَنِّي الخير كُلَّ من أعانني على إخراجِهِ ومُراجعته، وآمُلُ من القُرّاء الكِرام أن يمدُّونِي بملاحظاتهم واستدراكاتِهِم البنّاءَةُ الطيبة؛ كي أستهدِي بها في قادِم الأيّام بإذن الله تعالى، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين المتفرِّدِ بالكمال والتمامِ وحدَه والذي لا تَتِمُّ نعمةُ إلا بفضلِهِ الكريم سُبحانَه.
بقلم: خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
21/12/2018
2542