+ A
A -
-من نوائب الدهر أن يشتكي لك صديق: «أسناني تؤلمني»
فترد عليه: ضروسي كلها لاتدعني أنام
-يفضفض لك: «طردوني من الشغل»
فيكون جوابك: كنت عارف الخبر، إياك أن تعتقد أن هناك ما يخفى علي
-يأتيك حزينا ليُسِرك: طلقت زوجتي
فيكون ردك: كان قلبي حاسس ومن الأول كنت على يقين من فشل الزيجة، لكن لم أفضل الإفصاح لك عما في قلبي.
-:«عملت حادث بسيارتي»
فترد: «أيوجد عاقل يشتري عربة بنصف مليون، فلوسك الآن على الأرض.»
-يغالب جراحه فيصارحك
فأهم شيء لديك اثبات أنه لا يخفى عليك خافية.
لمعلوماتك، شكوكك لم تأت من فراغ، فهو من كان يسعى للتلميح بمصائبه. كان يختبر انسانيتك، لأنه بالأساس يحتاجك. ففراستك تم تغذيتها من الأخبار التي كان يعمد صديقك لتسريبها لك، لعلك تشفق، وما أشفقت.
ما أتعسك حين يكون رد فعلك الوحيد هو النقد مع التسخيف وإظهار الفراسة، ومحاولة إثبات إحاطتك ببواطن الأمور وكأنك الشيخ الألوسي وتنتظر الشكر!

ما أشقاك حينما تتجاهل مصيبة زميلك لتظهر بمظهر من يستحيل عليه أن تفوته صغيرة أو كبيرة!
ما أقساك حين يعري لك صديقك عورة خيبته، فتشرب من دمعه وتعض في جرحه بأسنانك وتلوكه بلسانك عوضًا عن تضميد جراحه ومواساته بيمناك وعيناك.
- حين يشتكي لك أحدهم، فهو ينتظر منك كلمة عطف، ربتة كتف، لمسة حنان، نظرة مؤازرة، غمرة، شهقة قلق، أعين مشدوهة، وليتك تظهر له استياؤك لما ألّم به. أما وأن تعيره فهذا والله لظلم عظيم.
فإنه لا أمر من ظُلم العدو سوى خذلان الحبيب ولا أعتى من جور المعتدي سوى تفاوض القريب عليك، كما أن شعرة مؤازرة من صديق، تزيح عبء أطنان من تعسف الخصوم.


- أخبرني ابني الشاب أن مدرسه مكث غير قليل يشتكي له من ظلم وقع عليه من مدير المدرسة إذ خصم له نصف راتبه حتى أن المدرس سأل ابني
: أخبرني يا محمود كيف أعيش، كيف آكل وأشرب وأدفع إيجار سكني وأكلاف فواتيري بعدما قلصوا راتبي.
سألت ابني: ماذا كان ردك؟
أجابني: اكتفيت بالإصغاء، فهو لم يكن يحتاج سوى الإنصات له، لم يكن يريد إلا التعاطف وإظهار الاهتمام.
- في سورة المجادلة، ذكر الله الاستماع في آية واحدة ثلاث مرات
«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَأوُرَكُمَا ? إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»
- حتى الكفار حينما لمسوا إقبال المساكين على الدخول في الإسلام، أرجعوا السبب لقدرة الرسول على الإنصات للبائسين.
«ومِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ? قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ»

ليتك تجعل حدود رحمتك مطلقة، فكلنا في الضعف شرق.
أعلم أن هناك من يقتات بأحزانه، فيدمن الشكوى، لكني لا أعني هؤلاء المرتزقة بدموعهم، بل يعنيني أصحاب الأحزان الكبار.
ولتعلم ان هناك من يختبر انسانيتك فيشتكي لك هما صغيرا، ليذوق طعم تعاطفك، فإن وجدك مرا لاذعا، خرس معك للأبد.
فإن لامست حزينا صادقا حزنه، فاعطف قلبك على قلبه واسمعه وارحمه ولا تذع سره، وليكن آخر همك أن تظهر له انك كنت عارفا أو أن قلبك كان حاسس أو أن مصابك أنت أكبر.
بل عظِّم من قدرته هو على تحمل الصعاب، فهذا يبلسم جراحه.
ليتك تشعر أنك إنسان قبل أن تكون بصّار، فصديقك لا يحتاج لفراستك قدر عوزه لمشاعر قلبك.


لدينا أفئدة، نبض وقلوب
فيما ينقصنا الرحمات
نملك أصواتا، أذانًا ولحونا
لكن يعوزنا الإنصات
منحنا بصرا، ضياء وشموعا
لعلي أنه تنقصنا الهدايات
رزقنا ملايين من البشر، من شتى الربوع
على أن ليت بينهم إنسان.. لا بل حجارات


بقلم: داليا_الحديدي
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
15/12/2018
6017