+ A
A -
الزمن: مُنْتَصَف لَيْل المكان: مُنْتَصَف طريق الشخصية: امرأة مِن الزمن الجميل [خشبة عارية. مِن يَمِين الخشبة تَدخل امرأة نالَ منها التعبُ. دائرة ضوء زرقاء على المرأة التي تَهالَكَتْ حدّ فقدان التوازن. تَضع حقيبتها المستطيلة أرضا وتَجلس على ارتفاعها. تَخفض عينيها وتَحمل رأسَها بين يديها بشكل يَحجب وجهَها عن الجمهور الماثل قُبالَتَها. ما هي إلا لحظات حتى نَسمع صوتَ صفير القطار القادم مِن بعيد. تَنْتَفِض المرأة وتَنتصب واقفة. تَلْتَقِط حقيبتَها وتُهَرْوِل في اتجاه يَسار الخشبة. تَتَسَلَّل عبر باب جانبي إلى خارج الخشبة. تُظْلِم الخشبة. تختفي المرأة عن أنظار الجمهور لكننا نَظَلّ نَسمع وقعَ خطواتها الحثيثة مِن داخل الكواليس. يَزداد الصفير حِدّة ويَزداد وقعُ الخطوات شِدَّة. يَقترب صوتُ الصفير أكثر فأكثر ثم يَخفت تدريجيا إلى أن يَتلاشى في الفضاء. مع خفوت صوت الصفير يَتراجع وقع الخطوات تدريجيا إلى أن تَدلف المرأة من جديد مِن يمين الخشبة مُنْهَكة أَشَدّ ما يَكون الإنهاك. تُلقي بحقيبتها على ارتفاعها أرضا وتُلقي بجثتها على سطح الحقيبة يمين الخشبة مُتَوَسِّدَةً يديها على امتداد ذراعيها الْمَثْنِيتين. دائرة ضوء زرقاء على المرأة. في هذه الأثناء نَسمع قوة نبضِ قلبها سريع الخفقان دليلا على طول المسير. ثم يَشرع صوتُ الخفقان في التراجع تدريجيا إلى أن يَتلاشى في الفضاء. تَرفع رأسَها بصعوبة وتُطَوِّق ذاتها بذراعيها وهي جالسة فوق الحقيبة قُبالةَ الجمهور]. المرأة: ها أنتَ يا رأسي تَثقل وتَثقل إلى أن أَصْبَحْتُ غير قادرة على حملك، وأصبَحْتَ أنتَ عاجزا عن الترفق بحالي. وها أنتَ يا قلبي تَخفق إلى أن أصبحْتَ عاجزا عن تسييري ومُمْتَعِضا مِن جثتي الآيلة للانهيار. وها أنتَ يا قدري تُمعن في تعذيبي إلى أن أصبَحْتُ أنا غير قادرة على التحمل. أراني قطرةَ ماءٍ تحتضر في صحراء لم تَعرف يوما معنى الرواء. أراني قطرةَ حِبرٍ هائمة في ثنايا ذاكرة صفحة بيضاء أَجْهَزَ الغيابُ على سطورها المترَنِّحَة الموشومة بصبّار الصبر ولعنة الخواء. أرانِي تعويذةَ العاشقين لِمُدُن الملح المترامية على شواطئ روحي، والروح تَفيض بما فاض على البحر مِن أعاصير وأساطير تَكْتُبُني ملحمةً فينوسِيّة قبل موعد المساء بمساء. وها أنتَ يا قلبي الموجوع تُرَتِّل آهات المنفى على قارعة الانتظار، ولا عزاء لكَ إلا الكَيّ بقضبان الندم واعتصار دمعة فترَتْ رغبتها حتى في الارتماء بين أهداب العين، والعين فَنار حمي الوطيس به. [تَمدّ المرأةُ بصرَها ناحيةَ الطريق– يسار الخشبة– فيَلُوح لها بصيص ضوء أحمر خافت. تَنتصب المرأة واقفة مجددا. تَلْتَقِط حقيبتَها وتُهَرْوِل ناحية مصدر الضوء إلى أن تَتَسَلَّلَ عبر باب جانبي إلى خارج الخشبة. تُظْلِم الخشبة. لكننا نَظَلّ نَسمع صوتَ وقع خطوات المرأة مِن داخل الكواليس. يَستمر الوقع، وتزداد حِدَّتُه إلى أن تَدلف المرأةُ مِن باب جانبي يمين الخشبة. في هذه الأثناء تُغَلِّفُ الخشبةَ إضاءة بنفسجية خافتة تَعكس ضوء القمر. وتَنتصب وسط الخشبة طاولة وحيدة وكرسي وحيد يَستند إلى خلفية الخشبة. وأعلى الخلفية علقت لافتة كُتِبَ عليها: «نَخْبَ الانتظار». تَتقدم المرأة في اتجاه الطاولة اليتيمة في شِبْه مقهى غير مُصَنَّف. تُلْقِي بحقيبتها أرضا، تَجلس، وتُلقي بذراعيها ووجهها على الطاولة موازاةً مع تنهيدة طويلة تَطرد عن سطح الطاولة ما عَلِقَ به من غبار وتُخَفِّف عن الروح ما آلَتْ إليه مِن انكسار. تَرفع المرأة وجهها تدريجيا في شبه استذكار]. المرأة: آه يا قلبي! هدوء هذا المكان يُداعِبُ فُصولَ ذاكرتي الْمُتْعَبَة ويَنفخ في نار العذاب عقب قطيعتِكَ مع مَنْ سَمَّيْتُه أنا كُلَّ الأسماء ولَوَّنْتُ حياتَه بِلون الورد، وأدركْتُ في وقت متأخر جدا أنَّ الأخضر ما عاد يُغْرِيني، وأنَّ الأصفر وحده يَليقُ بربيع العمر بعد أن احْتَرَقَتْ بساتيني. يا قلبي أنا، في طاولة كهذه تماما كُنْتُ أَجْلِسُ أنا ذات ربيع حالِك. الضوء الخافِت نفْسُه، والطاولة الأخيرة نَفْسُها. كل ما هنالك أن المقهى الذي ارْتَشَفْتُ فيه كأسَ الذكرى كان مُرَصَّعا بطاولات أخرى وبنجوم الليل التي ما عُدْتُ أَعْرِفُ طريقا إليها رغم أن الروح واحدة، ومُدُن الغربة أيضا واحدة. [تنهيدة] أكان لِلَيْلِ الغربة نجوم أم أنَّ سَيِّدَكَ يا قلبي كان شمسا أُخرى تَطلع عند منتصف الليل؟! [يَتراجع ضوءُ القمر الذي يَتَسَلَّلُ إلى الطاولة الوحيدة المصلوبة على أقصى ارتفاع يسار الخشبة. تَلتفِتُ المرأة ناحية اليسار حين تَسمع صوتَ نعيق غراب يَقطع عرض النافذة. تَنْتَفِضُ المرأة خوفا. قبل أنْ يَنْعَدِمَ الضَّوءُ تَلْتَقِطُ المرأة حقيبتَها، تَضَعُها على جانب الطاولة، تَفتحها، تَتَحَسَّسُ شمعةً تُخْرِجُها مِن الحقيبة وتَضَعُها على الطاولة. تَتَحَسَّسُ عُلْبة صغيرة تُخرجها بدورها، ثم تَترك الحقيبةَ مفتوحة جانبا. تَفتح المرأة العلبة، تَستخرج عودَ ثقاب وتَستخدمه لإشعال الشمعة، تَضع الشمعةَ المشتعلة جانبَ الحقيبة، وتُلْقِي بالعُود المنطفئ. تَمدّ يَدَها إلى الحقيبة لاستخراج علبة أكبر مِن الأولى، تَلتقط منها سيجارة تَمْتَشِقُها شَفَتاها، وتَلْتَقِط عُودَ ثقاب آخَر لإشعال السيجارة. تَأخذ المرأة نَفَساً طويلا مِن السيجارة، وتُفْرِج عن الدخان بعد طُول حِصار]. المرأة: يا قلبي، اللعنة على من نَصَبْتَهُ سَيِّدَكَ ومولاك! يا وجعي، رغم وجعي وَجَدْتُ مِن الحكمة أن أَصْفِقَ بابَكَ، لأن مَنْ نَصبتَه سَيِّدَكَ ومولاك باعني وباع الوطنَ: باع الوطنَ بحفنة تراب. [تنهيدة عميقة] الـ و ط ن ! الوطن وجع آخَر يُعَظِّمُ مقامَ مَوَّالِ أوجاعي. [نفَس من السيجارة] آه يا وطني! أَيْنَكَ وأينَ الأحباب وقد امْتَدَّتْ بيننا مُدن وبحار ومسافات؟! [نفَس آخر من السيجارة] كلما ذَكَرْتُكَ يا وطني– ومتى نَسِيتُكَ أنا؟! – اعْتَصَرَنِي الحنينُ إلى حضن أغلى غالية: أُمِّي التي ما عادَتْ تَحفل بِذَيْل مَراسيلي بعد أنْ امْتَحَقَتْها وُعودي بِعَودة مُؤَجَّلة. [تَضع بقية السيجارة على الطاولة، تُنَقِّب في الحقيبة إلى أن تَستخرج منديلا ناصع البياض، تَحضنه أصابع يديها، وتَجْتَذِبُه إلى وجهها حيثُ تَشْتَمُّه وتَمسح به وجهها بحنان، تَعْتَصِر عينيها ولا دمعة]. المرأة: لهذا المنديل مقام رفيع في نفسي، ولصاحبته في قلبي منازل. طَرَّزَتْهُ أُمِّي قبل رحيلي بوقت قصير. أَضُمُّه إلى صدري كُلَّما اعتصرني الحنين إلى أُمِّي وإلى وطني، ففي هذا المنديل أَشْتَمُّ رائحةَ أُمِّي الحبيبة ووطني الحبيب. [تُطَوِّقُ المنديلَ مَرَّة أخرى وتَشْتَمُّه بقوة] مازالَتْ أنفاسُكِ يا أُمِّي رابضة في المنديل. مازال منديلُكِ أُمِّي مُضَمَّخاً بِعَبَق رائحتِك. ولا أحلى ولا أَطْيَب مِن رائحتك أُمِّي ورائحة الوطن. [تُطَوِّقُ المنديل بقوة وتَمسح به وجهَها، تُقَبِّلُه بحرارة وتُعِيدُه إلى الحقيبة، ثم تَمْتَشِقُ السيجارة مِن جديد. نفَس أَطْوَل مِن السيجارة نفسها]. أَوَ تَدْرِي يا قلبي معنى أن يَعْتَصِرَني الحنين إلى وطن لن يُرَحِّبَ بعودتي، وما أَذْنَبْتُ أنا؟! أوتَدْرِي يا قلبي معنى أن تَجْرِفَنِي سُيول الغربة بعيدا عن أُمِّي، وأنْ أُحْرَمَ مِن دِفء أحضانها أنا التي بِوُسْعي أنْ أَحضن كُلَّ أبناء وطني وما تَنطفئ نار الشوق المتأجِّجة بين ضلوعي؟! [عَزف ناي حزين في ضَوْئِه تُوَقِّعُ المرأةُ مَقْطَعا شِعريّا]: لِـعَـيْـنَـيْـكِ أُمِّـي أَشُـدُّ رِحَـالِـي لِـعَـيْـنَـيْـكِ أُمِّـي وَصَـدْرِكِ أُمِّـي أَبِـيـعُ دُمُـوعِـي أَبِـيـعُ نِـعَـالِـي وَمَـا كُـنْـتُ يَـوْمـًا لِأَفْـنَـى سِـوَى فِـي بِـحَـارِكِ أُمِّـي سِـوَى فِـي بِـحَـارِ الْـوَطَـنْ تَـبِـيـعُـكَ يَـا وَطَـنِـي فَــلَــذَاتُكَ يَـا وَطَـنِـي بِـتُـرَابِ الْـوَطَـنْ وَمَـا كُـنْـتُ يَـوْمـًا أَنَـا لِأَبِـيـعَـكَ يَـا وَطَـنِـي مَـا كُـنْـتُ يَـوْمـًا أَنَـا لِأَبِـيـعَ الْـوَطَـنْ وَلَـوْ بِـكُـنُـوزِ الْـوَطَـنْ [يَعقب المقطعَ السابق عَزْفُ كَمان] [تَلْتَقِطُ المرأة سيجارة أخرى مِن علبة السجائر، تَلتقط عُودَ كبريت آخَر لإشعال السيجارة، تَضُمُّها بين شَفَتَيْها بِحُبّ، وتَأْخُذُ نَفَساً طويلا]. المرأة: آه لو تَدْرِي يا قلبي حَجْمَ الغُصَّة في الحَلْق وطَعم المرارة في الفَم حين يَطعنك أَقْرَب مَنْ تُحِبّ في قلبك. بعد لِقاء ولِقاء... ولقاء ذُبْتَ فيه كَمُكَعَّبِ ثَلْجٍ وانْتَحَرَتْ فيه الأشواق على مَرّ الوصال، جاءَنِي مَنْ كان سَيِّدُكَ ومولاك لِيُخَيِّرَني بينه وبين الوطن. [صوت عاصفة، إضاءة حمراء شديدة] قال لي بالحَرف، بعد نَفاد صَبْر وفَشَل في إقناعي: [صوت مُسَجَّل حادّ وقوي ومُرْعِد مِن توقيع رَجُل] «ما جدوى الإخلاص لِوَطَن عَجِزَ عن احتضاننا وترَكَنَا نتناثر على رصيف الغربة كوُرَيْقات يابسة تَفعل بها الريحُ ما تشاء؟ ماذا أَعْطَاكَ هذا الوطن وماذا أعطاني غير التشرد والضياع في محيطات نَأَتْ بنا عن أحلامِنا الْمُنْكَسِرة، وعَلَّمَتْنا أنْ نَلعق ملحَ البحر وأنْ نَمُوتَ قبل الأوان بأوان وأنْ... وأنْ... وأنْ...» اِسْتَدْرَكْتُ مُسْتَنْكِرَة: «يااااااااااااااااه! [بصوت مرتجِف مُتَقَطِّع] مِنْ أَيْنَ لِقَلْبِكَ بِكُلّ هذه القَسوة؟! هَلْ تُدْرِكُ عَمَّ تَتَحَدَّث؟! أَنْتَ تَتَحَدَّثُ عن الرَّحِم التي أَنْجَبَتْني وأَنْجَبَتْكَ! أنتَ تَتَحَدَّث عن الأرض التي زُرِعْنا فيها وزَرَعْنا فيها أَحْلامَنا! أنتَ تَتَحَدَّث عنْ...» لم يَسْمَحْ لي بالْمَزِيد مِن البَوح يومها. قال لي مِلْءَ القسوة [بِلَهْجَة آمِرَة]: «كُفِّي عن هذا الهراء. الوطن الوطن! ماذا جَنَيْنا مِن هذا الوطن؟! وأيّ مصلحة لنا فيه حتى نعشقه؟!» كِدْتُ أُكَذِّبُ عَيْنَيَّ وأُذُنَيَّ يومها. هل هذا هو الرَّجُل الذي كُنْتُ أعشقه؟! لقد تَحَوَّلَ بين رمشة عين وأخرى إلى رَجُلٍ لا أَعْرِفُه! ولأنني كُنْتُ أعشقه ما كُنْتُ قادرةً على هَجْرِه حينها... [نَفَس آخَر طويل وعميق مِن السيجارة قبل أنْ تُلقي ببقاياها بعيدا عن الطاولة]. المرأة: هل كان مِن العَدْل أنْ أَخُونَكَ يا وطني؟! [تَلْتَقِطُ سيجارةً ثالثة وعُودَ ثقاب. تُشْعِلُ السيجارةَ قبل أن تَعْتَصِرَها شَفَتاها لِأَخْذ نَفَس عميق يَعقبه سديم مِن الدخان – يُغَلِّف المكان– وشرود عميق مِن جانب المرأة]. المرأة: جاءني في لقاء آخَر يَتَصَبَّبُ لوعةً وحنينا. ولأول مَرَّة يُحَدِّثُني عن علاقات عمله. ويا لَشَقائي وحَسْرَتي حين أَدْرَكْتُ أنه يَشتغل عَميلا لصالح الوطَن الآخَر الذي انْتَشَلَه مِن مُسْتَنْقَع الفقر والبِطالة والتشرد. كانَتْ الحقيقةُ جَلِيَّة أمامي، ولم تَكُنْ في حاجة إلى كُلّ مساحيق التجميل. كانت الحقيقةُ واضحة بَيِّنة، ولم تَكُنْ في حاجة إلى كُلّ ذاكَ البذخ مِن الْمُكَمِّلات والْمُحَسِّنات، بَلْ والْمُبَرِّرات التي ركنَ إليها لِتَبْرِئَة نفسِه وسَتْرِها بعد أن عَرَّتْها الحقيقةُ. [نَفَس آخَر مِن السيجارة] أُصِبْتُ حينها بالخَرَس، ولم أَقْوَ على اعتصار كلمة، بينما ظَنَّ هو أن عاطفتي الملتهِبَة ستُجيزُ له استغفالي وتوريطي في ما لا أرضاه لِنَفْسِي ولا لوطني. وبِصريح العبارة وَجَدْتُه يُوَجِّهُ إِلَيَّ دعوةً مِن الفريق الذي يُشَغِّلُه لِأَنْضَمَّ إلى حِزب الشيطان، وأَبِيعَ وطني بعد أن أَغْرَانِي بما يَكفي لِقَتْل القلب والضمير. وَجَدْتُني أَثُورُ وأَنْفَجِرُ في وجهه بِكُلّ الكلام، وما تَصَوَّرْتُ قبلها أنَّ غيرتي على وطني ستَدْفَعُني لِأَبِيعَ أَقْرَبَ مَنْ أُحِبّ. [عزف ناي حزين، مع تَنهيدة حَرَّى بصوت مُتَقَطِّع] أَهْوَن على نَفْسي أن أَخُون عَواطفي ولا أَخُون الوطن. [نَفَس آخَر عميق مِن السيجارة] ولأنني خُنْتُ عواطفي يا قلبي، خانَني مَنْ كان سَيِّدُكَ ومَولاك. لكنه– البائس– لم يَكْتَفِ بخيانة عواطفِه ونسياني، وإنما مَضَى يُوَرِّطُني– خَوْفَ أنْ أَفْضَحَ سِرَّه– في ما يَمْنَعُني مِن أنْ أَعودَ لِأَرْتَمِيَ بين أحضان الوطن. أَصْبَحْتُ مُسَجَّلَةً في مُرَبَّع الخطر في وَطني دُونَ وَجْهِ حَقّ... ورَضِيتُ أنْ أُصْبِحَ في نظر وطني لاجئةً سياسية وما أفقه أنا مِن السياسة حَرْفاً. [نَفَس طويل مِن السيجارة... ثُمَّ سيجارة أخرى] يا قَلبي ما أَشْقَى أنْ تَفْقِدَ حَبيبَيْن في رمشة عَيْن: حبيبا مِن لحم ودم، وحبيبا يُسَمَّى الوطن. [نَفَس عميق مِن السيجارة] وها أنا الآن أَتَمَرَّغ في تُراب مُدُن الْمِلح بعد أنْ ضاع الحبيبُ والوطن، وضاعَ حُلْمُ الارتماء في أَحْضان أُمِّي الحبيبة التي أَرْهَقَ رُوحَها لَهَبُ المسافة. اللَّيْلُ يَنْتَصِف [بِنَبْرَة حُزن ورجاء] والشَّمس... أينَ الشمس؟! يَقينا لا شمس تُشْرِق عند مُنْتَصَف الليل. [نَفَس عميق مِن السيجارة. تُلقي المرأة بِبَقايا السيجارة بعيدا. تَلتقط سيجارةً أخرى وعُودَ ثقاب. تُشْعِل عُودَ الثقاب. قبل أنْ تُشْعِلَ السيجارة تَسمع صوتَ صفيرِ قِطار يَتَقَدَّم تدريجيا. تَقفز المرأةُ مِن مكانها وتَنتصب واقفةً، تُغلِق الحقيبة، تَلتقِطُها وتَترك ما تَبَقَّى على الطاولة، تُهَرْوِلُ في اتجاه اليسار، تَتَسَلَّل مِن الباب الجانبي إلى داخل الكواليس. تُظْلِم الخشبة. نَسمع وقعَ خطواتِ المرأة داخل الكواليس أكثر فأكثر. وميضُ ضوء أزرق خافت يُغَلِّف الخشبة. يَرتفع صوت صفير القطار. يَرتفع وقع خطوات المرأة. تَدلف المرأة إلى الخشبة مِن اليمين، وتَمْضي مُهَرْوِلَةً في اتجاه الباب يَسارَ الخشبة. تُظْلِم الخشبة. يَرتفع صوتُ صَفير القطار. يَرتفع وقعُ خطوات المرأة داخل الكواليس، ثُمَّ صوت اصطدام القطار بقطار آخَر يَنتج عنه انفجار مهول نَسمعه بقوة. بعد انتهاء صوت الانفجار تَدلف المرأة من الباب يمين الخشبة حيث الإضاءة خافتة. خطوات المرأة مُنْهَكَة. تَجرّ المرأةُ خُطاها المتثاقلة، تَقف وسط الخشبة، دائرة ضوء زرقاء حولها، تُلقي بحقيبتها أرضا. تَجلس المرأة على الحقيبة وظهرها إلى الجمهور. نَسمع ضربات قلب المرأة السريعة الخَفَقَان]. نهاية.
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
15/12/2018
4127