+ A
A -
الرأسمالية الريعية المتوحشة المتعددة الجنسيات توحد الطبقات الشعبية في الدول الأوروبية في مواجهتها.. الاستغلال البشع الذي تمارسه الرأسماليات الغربية وقيامها بالانقضاض على حقوق ومكتسبات الطبقات الشعبية من عمال وفئات صغيرة ووسطى تسبب في أوسع احتجاجات شعبية في معظم الدول الأوروبية كانت ذروتها في فرنسا في مؤشر على عمق الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تسببت بها سياسات الرأسماليات الريعية الموغلة في جشعها واستغلالها وسعيها إلى زيادة أرباحها على حساب مستوى معيشة العمال والطبقات الوسطى الذين تراجعت قدرتهم الشرائية وباتوا يعانون صعوبات الحياة في وقت تزداد فيه البطالة ويكبر معها جيش العاطلين من العمل، والديون في ارتفاع وكذلك العجز في الموازنات.. وأرباب العمل يصرون على الاحتفاظ بالمستوى العالي لأرباحهم ويعمدون من خلال ممثليهم في الحكومات الأوروبية إلى إحداث تعديلات على قوانين العمل تتيح لهم سلطة فرض شروط جديدة للعمل.. هذا ما قام به الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي جاء به إلى السلطة تحالف الرأسمالية المالية وأرباب العمل واللوبي الصهيوني النافذ في المؤسسات المالية والإعلامية، ليكون ماكرون المدافع الأمين والشرس عن مصالح هذا التحالف على حساب غالبية الفرنسيين، والذي عبر عنه بإجراء تعديلات على قانون العمل لمصلحة أرباب العمل وفرض الضرائب غير المباشرة محملاً عامة الفرنسيين المزيد من الأعباء؛ مما يضعف من قدرتهم الشرائية ويدفع إلى زيادة التفاوت الاجتماعي الذي كان محدوداً نتيجة الامتيازات والتقديمات الاجتماعية التي كانت تقدمها الرأسماليات الغربية طوال العقود الماضية والتي توافرت من عملية النهب الاستعماري الذي كانت تقوم بها لثروات دول الجنوب والتفرد بالسيطرة على أسواقها.. أما بعد أن تراجعت عمليات النهب الاستعماري بفعل تحرر العديد من دول الجنوب من الهيمنة الاستعمارية ودخول منتجات العديد من دول الشرق الناهضة اقتصادياً، كان من الطبيعي أن تتراجع معدلات نمو الدول الرأسمالية الغربية واستطرادا عائداتها المالية.. ولأن هذه الرأسماليات غير مستعدة لأن تتخلى عن بعض أرباحها وتريد أن تحافظ عليها بدأت مسار الانقلاب على مكتسبات الطبقات العمالية والشعبية في بلدانها من خلال إعادة النظر بقوانين العمل وزيادة الضرائب غير المباشرة، أو من خلال نقل المعامل إلى البلدان التي توجد فيها المواد الأولية واليد العاملة الرخيصة، ومثل هذه السياسة التي تكشف من ناحية الطابع الاستغلالي البشع للرأسماليات الغربية، وتظهر من ناحية ثانية أن مستوى الدخل المرتفع وكذلك مستوى المعيشة الذي كانت تتمتع به الدول الغربية، إنما كان نتيجة عمليات النهب المنظمة لثروات شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية على مدى مئات السنين.. من هنا فإن الأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلدان الرأسمالية الغربية، هذه الأيام، إنما هي أزمة بنيوية مختلفة عن أزمات الكساد التي كانت تحصل وسرعان ما كان يتم تجاوزها بعد تصريف المنتجات وعودة دورة الإنتاج والازدهار من جديد في غياب أي منافسة لها في الأسواق العالمية، فاليوم لم يعد بإمكان الرأسمالية الغربية تجاوز الأزمة؛ لأنها لم تعد قادرة على استعادة احتكارها للأسواق ولا إعادة فرض هيمنتها الاستعمارية على العديد من الدول التي سلكت طريق التحرر من هذه الهيمنة، خصوصاً بعد أن جربت ذلك عبر خوض الحروب الاستعمارية لتعويم هيمنتها بالقوة وإخضاع الدول التي تمردت عليها ومحاصرة تلك التي تنافسها اقتصادياً.. وفشلت في ذلك، وأدى الفشل إلى مفاقمة الأزمات الاقتصادية والمالية واستطراداً الاجتماعية.. وتمظهرت الأزمة: أولاً: في غرق الدول الرأسمالية في الديون؛ حيث بلغ دين الدولة الفرنسية ما يفوق الـ 40 مليار يورو، فيما تجاوز دين إيطاليا الـ 2 تريليون دولار، أما إسبانيا فإن دينها العام تعدى 1.2 تريليون يورو، ودين بلجيكا ناهز الـ 377 مليار يورو.. إلخ. ثانياً: ازدياد نسب البطالة على نحو غير مسبوق، ففيما سجلت نحو 9 بالمائة في فرنسا، وإيطاليا 11.2 بالمائة، وبلجيكا 6.5 بالمائة، سجلت في إسبانيا 15.5 بالمائة.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
01/12/2018
2480