+ A
A -
ما باله مُكَعَّب ثلجِ الزمن لا يُريد أن يَذُوبَ لِنَنْصَهِرَ مع حُلْمِنا الْمُسافِر بحقيبته المنفلِتَة مِن ميناء إلى ميناء ونَحْنُ نَعُدُّ خطواتِ قدمَيْه الهاربة إِلَينا؟! تَعِبْنَا، تَعِبْنَا مِن السفر، وخانَنا حذاءُ سندباد، وحُلمنا لا يَعِدُ بَعْدُ بِعِناقٍ يُطيل عُمْرَ الوِداد!
أوراقُنا تَسْقُط سَهْواً خَوْفَ أنْ تُلْوَى لَيّاً أعناقُ مُفْرَداتنا السابحة في نهرِ العاطفة الضاربة بنا ضربةَ عاصفة.. حتى الحَمَام الصارخ هديلا، على أكثر مِن حَبْلٍ وجِدار، نُكَمِّمُ فَمَه اتِّقَاءً لِبَعثرةِ حساباتنا القَلْبِيَّة، ونَبْحَثُ لِأَجْنِحَتِه عن سماءٍ أُخرى تُشَجِّعُ على التَّحليق بهدوء.
مُتْعِبٌ أَمْرُ الدنيا، ومُضْحِكٌ حَدَّ السخرية! البعضُ يَعيش حياتَه بالطول والعرض، والبعضُ الآخَر لا يَعرف كيف يَقطع خطوةً واحدة، تُذْكَرُ، على طريق الحياة، فيَكْتَفِي بأنْ يَتفرجَ على مَنْ يَعيش الحياة.
حَبلُ مأساةٍ حقيقية يَمْتَدُّ بين مَنْ يَلعب دورَه كاملا في الحياة، ومَنْ يَقْتَصِرُ حُضورُه على دورٍ مَيِّت يُؤَدِّيه المتفرجُ السلبي الذي لا يُصَفِّقُ تَشجيعا وتأييدا، ولا يَرفض المشاهَدة، فأقصى ما في وُسْعِ هذا الأخير أن يَبْذله هو البكاء..
هذا المشاهِد الباكي فاشِلٌ في كُلّ شيء، حتى في الحُبّ، فدائما تَتَدَحْرَجُ كُرَةُ الحُبّ بعيدا عنه وتَمْضِي إلى قَدَمٍ سِواهُ، قَدَم تُجيد فَنَّ المراوَغة، بِثَبات، وتُسَجِّلُ الأهدافَ في ملعب الحياة.
لِيَكُنْ مُضِيُّنَا في درب الحياة الصعب، والشَّاقّ، شفيعا بأنْ يُتَوِّجَنا أبطالَ التَّحَدِّي والعِناد والتَّمَرُّد وخَبْر الأنفاق.. صَدِّقْ يا صديقي أنها الأنفاق التي فيها تَنْصِبُنا أُمَرَاءَ النجاةِ أحذيةُ التَّجاهُل الرياضية ومصابيح المحاولة وأَذْرُع الحُبّ التي تَدْفَعُنا بِحَنان إلى الأمام.
قُولاَ لَهُمْ يا بَيْتَيْه (أحمد شوقي):
«وَمَا نَيْلُ الْمَطَالِبِ بِالتَّمَنِّي
وَلَكِنْ تُؤْخَذُ الدُّنْيَا غِلابَا
وَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مَنَالٌ
إِذَا الْإِقْدَامُ كَانَ لَهُمْ رِكابَا».
لاَ تُجَرِّبْ أَنْ تَكُونَ الْقَلَمَ الْأَحْمَرَ الذي يَتَفَرَّغُ لِتَصحيح أخطاء الآخَرين، واحْتَفِظْ بالنصيحة بعيدا عَمَّنْ يَعِدُكَ إيحاءً بأنه لَنْ يُرَحِّبَ بها.
لا تَتْرُكْ الانطباعَ بِأَنَّكَ قد تَسَلَّلَتْ إليكَ مُقَدِّماتُ الزهايمر ذاكَ الذي أَنْسَاكَ الأَهَمَّ والْمُهِمَّ، وحَفَلَ فقط بالأَقَلّ أَهَمِّية.
لَيِّنْ لِسَانَكَ وأنتَ تُخاطِب الكائنات الأَرَقّ مِن الرِّقَّة، واحْرِصْ على دَهْن كُلّ كلمةٍ بِمُكَعَّب الحُبّ لِتَسِيحَ بين شَفَتَيْكَ كَقِطْعَةِ شوكولا صارِخ لسانُ لَذَّتِها.
لِيَكُنْ صوتُكَ الدافئ وَصْفَةً سِحرية لِضِعَافِ القلوب حتى تُعَلِّمَهُم كَيْفَ العودة إلى الحياة بِعِطْرِ وردة.
تَعَلَّمْ دَرْسَ الثَّناء مِن «مارك توين»، وتَصَوَّرْ شكلَكَ بهذا في مِرْآة عيون الآخَرين.
لا تَكُنْ جَافّاً كَيَدٍ خَشِنَةٍ لِفَلاّح أو حَفَّارِ قُبور، ودَرِّبْ لِسَانَكَ وشَفَتَيْكَ على رياضة الْمُجَامَلة البَنَّاءة لِكَسْب القلوب.
رُدَّ على الرسائِل بِلَبَاقةٍ ودِبْلوماسيةٍ حتى يُصَيِّرَكَ حُسْنُ التصرفِ الآخَرَ الْمُشْتَهَى.
رَبِّ أصابِعَكَ على الملاطَفة بحروف تَشْتَعِلُ ذَكاءً ودَهاءً لِتَجْنِيَ بَلَحَ نَخْلَةِ الوِدّ وتَقْطِفَ أزهارَ التقدير تلك التي تُنَسِّمُ أنتَ بها كُوبَ شايِ حياتِكَ الْمَدْعُوِّ إلى أن يَكُونَ ساخِناً سُخونَةَ أنامِل تَشْتَعِلُ تَوْقاً إلى مَلْمَسٍ حريريّ.
كُنْ أنتَ البَطَلَ في صِناعةِ التشويق، واتْرُكْ ذَيْلَكَ في مَنْأى عن فِخاخٍ تُبْنَى لَكَ..
وَلْتَكُنْ لكَ الحياةُ الْحُسْنَ، والْمُحَيَّا، والْغَمَّازَتَيْن (حفرة الزِّين)، والشِّفاهَ، وحَبَّةَ الخال (GRAIN DE BEAUTE)..
نافِذَةُ الرُّوح:
- «بَيْنَ وَطْأَةِ صَمْتِكَ وضَرْبَةِ صَوْتِكَ أَشْتَعِلُ كَمُفَاعِل نَوَوِيّ وأَنْطَفِئُ كَسِيجَارَة».
- «حَرْبٌ باردةٌ تِلْكَ التي سَتَتَعَوَّدُ فيها على أنْ تُغْلِقَ إلى الأبدِ فَمَ رَغْبَتِكَ في التَّصريح بِلَسْعَةِ ثَعابين الغيرة».
- «شَيْءٌ مِنَ الخُلُق والذَّوْق أنْ يَنْحَنِيَ الْمَرْءُ احتراماً لِمُرورِ خَيْلِ امرأةٍ لا تَنْحَني لِصَهِيل».
- «ما أَدْهاكَ يا مَنْ تُرافِقُنِي في نُزهةٍ على جِسرِ الحَرف مُتَأَبِّطاً ذِراعَ قَلَمِي!».
- «بْرُوتوكُول يَسْرِقُ الضوءَ ذاك الذي يَفْرِضُ نَفْسَه وأنتَ الحاملُ مظلَّتَكَ الواعِدَةَ بِظِلالٍ تُبَلِّلُنِي حَياءً».
- «لا تُجَرِّبْ أنْ تَشُمَّ عِطرَ وردةٍ قد تَصْنَعُ بِكَ ما يَصْنَعُه سِحْرٌ مَشْمُوم بِالواقِعِ تَحْتَ تَأْثِيرِه».
- «أَلَذُّ الأحلام أَلاَّ نَنَام».
بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
23/11/2018
2694