+ A
A -
كثيرا ما تحرك التداعيات التلقائية المستمدة من ذكريات كامنة في أغوار الأمس دوافع الكتابة.. وذلك في سياقات التعبير عن بعض ما يجيش في الخاطر. تحركني ذكريات أحد الأيام السياسية القديمة للكتابة عن بعض اللمحات.
في يوم الثالث والعشرين من نوفمبر عام 2000 أتيحت لي تغطية حدث عودة زعيم حزب الأمة في السودان السيد الصادق المهدي إلى الخرطوم بعد سنوات تنقل خلالها عبر عواصم عديدة في إطار تكثيف عمل المعارضة السودانية آنذاك.
تلك العودة انبنت على تنفيذ اتفاق نداء الوطن الذي وقَّعه المهدي مع الرئيس عمر البشير في نوفمبر 1999 في جيبوتي.
كانت حشود كبيرة تنتظر الحدث المهم في مطار الخرطوم ووقتها استطلعت أراء بعض السياسيين عن الحدث.
قال السيد مبارك الفاضل المهدي، القيادي ذو الثقل المهم في حزب الأمة قبيل حدوث انشقاق يرجى حاليا تجاوزه، قال لي إن السلطات أعطت توجيهات بأن يسمح بتحرك كل السيارات القادمة إلى الخرطوم لاستقبال الصادق في يوم العودة ذي التأثيرات المهمة آنذاك.
وقال لي الدكتور علي الحاج (القيادي في حزب المؤتمر الشعبي) بشكل عام إن الواقع السياسي- في تلك الفترة- يحتاج إلى تحقيق الوفاق.. وانتقد التحضيرات لانتخابات جرت بعد ذلك في يناير 2001 قال لي: «إنها أشبه بسباق الشخص الواحد!.».
لم يكن هنالك برنامج لخطاب للصادق في المطار وانتقلنا إلى ساحة ميدان جامع الخليفة عبدالله التعايشي في أمدرمان (شارع الموردة).. حيث كانت الجموع لا تحصى.
في خطاب مهم ترقبه الأنصار ومؤيدو الصادق في حزب الأمة وكذلك القوى الأخرى باختلاف ألوان الطيف السياسي قال الصادق إنه يستلهم مقولة شعبية حكيمة تقول «الفش غبنيته خرب مدينته».
معنى تلك المقولة أن من يفجر غضبته ضد خصمه قد يصل به الأمر إلى خسران كل شيء لأن ثمن الغضبة الكبيرة يكون مواجهات بشكل ما تؤدي إلى الخراب والدمار والخسائر.
عدت إلى مكتب الصحيفة التي كنت أعمل بها آنذاك (الصحفي الدولي التي كان يرأس تحريرها الدكتور خالد التجاني) وكتبت تقريرا معه صورة أو صورتان نشر في صفحة كاملة يرصد لحظات وصول الصادق إلى المطار ثم انتقاله إلى أمدرمان وما دار في اللقاء السياسي الذي عده المراقبون وقتها إيذانا بتحقيق وفاق كبير خاصة أن الرئيس البشير كان قد صرح بأن اتفاق جيبوتي يعني التوافق على التداول السلمي للسلطة.
ولكن مرت مياه كثيرة تحت الجسر ولم يتيسر إنجاز الوفاق الموعود، ربما لأن الأولوية بعد ذلك كانت لإنجاز ماعرف بـ«سلام جنوب السودان».
إن الحدث القديم ينقلني في تداعيات سريعة للقول إنه الآن وفي ظل إرهاصات عودة جديدة للصادق إلى الخرطوم ربما في التاسع عشر من ديسمبر المقبل، لا بد من مراجعات عبر كافة مراكز العمل السياسي بالأحزاب السودانية بين دفتي الحكم والمعارضة فقد أثخنت الجراح، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، الجسد السوداني بسبب تأخر إنجاز الوفاق المرتقب.. فهل يتحقق ذلك الوفاق بعد التاسع عشر من ديسمبر والذي يوافق يوم إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في عام 1955 قبل رفع العلم في أول يناير 1956.. تلك الذكرى المجيدة في التاريخ السوداني الحديث؟.

بقلم : جمال عدوي
copy short url   نسخ
30/10/2018
1873