+ A
A -
قرأتُ البارحة قصةً أثارتْ إعجابي جداً، تقول القصة:
قام أحد علماء الأنثروبولوجيا بإجراء مسابقة بين أطفال إحدى القبائل البدائيّة التي لم تصلها «الحضارة» بعد! وضعَ سلةً من الفاكهة اللذيذة وحبات الشوكولا الفاخرة عند جذع شجرة، ثم قال لهم: الآن اركضوا ومن يصل أولاً إلى السلة سيحصلُ عليها وحده!
وكم كانتْ دهشته عظيمة عندما رأى الأطفال قد أمسكوا أيدي بعضهم البعض، ومشوا بهدوء صفاً واحداً، حتى وصلوا إلى السلة معاً، وقاموا باقتسام محتوياتها!
وعندما سألهم عن السبب الذي دفعهم لفعل هذا بينما كان بإمكان واحد منهم أن يفوز بكل شيء، قالوا له بصوت واحد «UBUNTU / أوبونتو»! وأوبونتو تعني بلغتهم «لا للأنانية»!
وعندما حاول أن يفهم ما الذي عنوه بالضبط، قالوا له: كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً بينما الآخرون تعساء، أنا أكون لأننا نكون!
تعمدتُ أن أضع لفظة «الحضارة» بين قوسين في أول هذه المقالة، لأنها اُستخدمتْ استخداماً خاطئاً، فالأصل أن تكون المدنيَّة لا الحضارة!
المدنيَّة تشمل المخترعات المادية، من وسائل اتصالات، وطرق مواصلات، وأدوية، وناطحات سحاب، الخ...
أما الحضارة فتشمل القيم والمعتقدات!
لهذا فإنَّ كثيراً من المجتمعات البشرية اليوم متمدنة بشكلٍ رهيب، ولكنها متحضرة بشكل مُخزٍ!
أية حضارة هذه التي تقوم فيها الدول العظمى بتأجيج الصراعات، وإشعال الحروب وإطالة أمدها بمنع الهُدنات والصلح الذي يجعلها تضع أوزارها، من أجل الاستمرار ببيع السلاح للأطراف المتحاربة!
أية حضارة حين تأكل بالشوكة والسكين في قصر الإليزيه ثم تسرق خيرات بلدان إفريقية ما زلتَ تديرها على أنها مستعمرات!
أية حضارة حين يبكي الداخلون إلى دار الأوبرا في أميركا لمنظر قطة تُداس في الشارع ولا يذرفون دمعة على آلاف الأبرياء الذين يسحلهم المارينز على امتداد هذا الكوكب!
أية حضارة حين تحتل «إسرائيل «المركز السادس عالميا في النزاهة، وهي كدراكولا تعيشُ على شرب دماء أطفال فلسطين!
هذا العالم متمدن، نعم! لا أحد يستطيع أن يُنكر هذا، أما كونه متحضراً فهذه مسألة فيها نظر! إن امتلاك أحدنا آخر جهاز آيفون لا يجعل منه إنساناً محترما! ما يجعله محترماً ما في قلبه وعقله لا ما في يديه! وعليه وسِّعْ الدائرة، وقِسْ حال الدُول!
إن أطفال القبيلة البدائية في القصة، أعظم حضارة وإنسانية من ثلاثة أرباع هذا العالم المتمدن!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
21/10/2018
8170