+ A
A -
تُعتَبَر جمهورية الصين الشعبية ثاني أكبر مُستهلك للطاقة الإحفورية (النفط والغاز) في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. إذ يُقدر استهلاكها اليومي بنحو خمسة ملايين برميل ونيف من الطاقة (النفط السائل والغازي) عدا الفحم الحجري، تستورد مُعظمَه من منطقة الشرق الأوسط، في وقتٍ لاتحتوي أراضيها إلا على مخزون مُتواضع من النفط والغاز، وتحديداً في المناطق الغربية منها في مناطق تركستان الصينية المعروفة بــ (تشنيانغ)، وهو مخزون لايُقدم لها من إنتاج نفطي يكفي سوى نحو خمسة بالمائة من استهلاكها الداخلي. فالعطش الصيني الطاقوي تبرره الأرقام. ففيما بين عامي 1980 و2005 زادت جمهورية الصين الشعبية من استخدامها للنفط بمعدل 5.1 مليون برميل يومياً.
إن العطش الصيني للطاقة، أسهَمَ ويُسهِمُ في تَفتيح شهية هذا العملاق الاقتصادي الآسيوي للطاقة، ويدفع به لإنتاج وإنتهاج سياسات خارجية تأخذ بعين الاعتبار حاجة الصين للنفط والغاز، وبالتالي في اقامة نطاق علاقات سياسية مع العديد من دول العالم، بما في ذلك السودان ونيجيريا، وإيران والعراق، وبعض دول الخليج التي تُعتَبَر المصدر الرئيسي لمستوردات الصين من الطاقة.
إن العطش الصيني للطاقة، دَفَعَ ويَدفَع بكين لأخذ ذلك بعين الاعتبار في تحالفاتها السياسية وتحركاتها الخارجية، وهي الاعتبارات التي أصبحت عنصراً أساسياً في سياساتها، وجعل منها تجهد لتأمين موارد الطاقة على حساب الاهتمامات الدبلوماسية التي تتطلب مواقف واضحة ازاء الأزمات الدولية المُشتعلة، ومنها أزمات المنطقة ومايحدث في العراق على سبيل المثال، حيث يبدو الموقف الصيني ماسكاً للعصا من مُنتصفها، ومتأرجحاً حين تتطلب الأمور ذلك.
من هنا نُدرك تجليات مواقف جمهورية الصين الشعبية من العديد من القضايا والعناوين المُتعلقة بالشرق الأوسط وإيران والعراق، وحتى سوريا وغيرها. كما نُدرك أيضاً سعيها لتزاوج الجوانب الاقتصادية بالسياسية والعسكرية من خلال سعيها إلى تطوير جيشها وقواتها البرية والبحرية بشكلٍ مُتسارع، وذلك لحماية الممرات المائية والإمدادات النفطية في بحر الصين وعلى تخوم العديد من الحدود البحرية لحلفاء واشنطن، وهو ما يثير حفيظة الولايات المتحدة.
وهنا، علينا أن نَلّحظ بأن الزيارة الأخير للرئيس الصيني (شيبينغ) للمنطقة أوائل العام الجاري 2016، استهدفت بشكلٍ رئيسي توقيع اتفاقيات شراكة نفطية بالدرجة الأولى مع كلاً من مصر والسعودية وإيران، وبأرقامٍ عالية نسبياً، ومنها مشروع مشترك مع السعودية بقيمة عشرة مليارات دولار، لبناء مصفاة نفط، تملك شركة النفط الوطنية الصينية (سينوبيك) أكثر ثلث أسهمها. وكذا الحال مع مصر وإيران حيث تم التوقيع على اتفاقيات للتعاون في مجال النفط والغاز.
المُهم في ماذهبنا اليه، أن الصين تحتفظ بعلاقات وصداقات تاريخية مع عموم الدول العربية، كما أن حاجتها من الطاقة الإحفورية تزداد كل يوم عن اليوم الذي قبله، وبالتالي فإن علاقاتها العربية مُرشّحة للتطور والتوسع الدائم. لكن حسابات السياسة الخارجية لدى بكين بات موضوعة على كفة ميزانٍ دقيق، فالصين ليست جمعية خيرية أو دولة مانحة بنظر ساساتها، فهي دولة تُصيغ سياساتها الخارجية بطريقة نفعية صارخة، خاصة مع الأطراف المُختلفة في دول الشرق الأوسط التي تَمتَلِك الإحتياطي الرئيسي للنفط والغاز بالعالم. من هنا ترى بكين حتمية الشراكة الاقتصادية الصينية العربية في ظل وجود مزايا تكاملية عدة بين الطرفين، إذ تتمثل هذه المزايا في وجود إمكانات تعاون كبير في الصناعة والتصنيع والاستثمار، حيث تملك الصين طاقة إنتاجية هائلة، ووفرة مالية كبيرة، يمكن أن تُسهم في عملية التصنيع وتنويع قاعدة الإنتاج في الدول العربية، إذ تتمتع عدد من الدول العربية بمقومات صناعية كثيرة مثل وفرة العمالة والأراضي والسوق، فضلاً عن الموقع الجغرافي المُميز، مقابل استمرار إمدادات النفط العربي نحو الصين.
إن تلك السياسة البراغماتية الصينية تُشكّل مدعاة لعموم الدول العربية من أجل الإرتقاء بالعلاقات العربية مع الصين تبعاً لميزان مواقفها من القضايا العربية، وما يجري في المنطقة من تحولات عاصفة في أكثر من بلدٍ عربي.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
08/06/2016
1373