+ A
A -
مهنا الحبيل
وقّع الجيش الكويتي عبر رئاسة الأركان العامة، في العاشر من أكتوبر الجاري، اتفاق عمل للتعاون الدفاعي مع القوات المسلحة التركية، والذي سينقل العلاقات الاستراتيجية لأنقرة، مع ساحل الخليج العربي، إلى تعزيز جديد بعد القاعدة العسكرية التركية في قطر، والتي لعب قرار إنشائها وتفعيل الاتفاق الدفاعي فيها، دوراً مهماً في منع تهديدات الاجتياح العسكري لقطر، من دول المحور الخليجي.
غير أن هذا الإعلان قد لا يعكس مستوى التقديرات التي اعتمدها الطرفان في الحضور العسكري التركي، وهو حتى اليوم لم يحدد حجم الوجود العسكري التركي، سوى أن الكويت تسعى قطعاً في هذا الاتفاق إلى دمج الطرف التركي في سلة استراتيجيتها الوقائية، بعد تهديدات إيرانية عراقية، أعقبها موقف سعودي حاد، وحملة تهديدات إعلامية مباشرة، لحيادها في الأزمة الخليجية ورفضها المشاركة في حصار أهل قطر.
وتطور العلاقات التركية- الكويتية، أخذ أبعاداً متصاعدة، خاصة في ظل العلاقة الشخصية بين الرئيس التركي والشيخ صباح الأحمد، وهي وإن كانت علاقة شخصية لكنها أيضاً، ضمن إدراك من كان يطلق عليه شيخ الدبلوماسية الخليجية والعربية، بأن الطرف التركي اليوم هو ضلع توازن مهم جداً، لا يمكن أن يغطّي دوره أي طرف آخر، مع بقاء الاتفاقات العسكرية مع واشنطن وأوروبا قائماً.
أما المسألة الأخرى فهي قناعة بلدان ساحل الخليج العربي، من أن تطور الوضع في المنطقة وخاصة الملف السعودي ومستقبل استقراره الاستراتيجي، يتواصل توتره دون نجاح الكويت أو أي جهة في تحقيق معادلة تقنع بها الرياض، بتغيير مسارها في الأزمة الخليجية، وإن كان ما بعد قضية الشهيد جمال خاشقجي قد يُحدث اختراقاً مهماً، لصالح الشعوب يخفف من لأواء القطيعة.
ولكن القصد هنا ليس الخشية من التوتر مع الرياض فقط، وإنما في انكشاف جغرافيا الخليج العربي، لو حصل انهيار نسبي أو كلي للنظام السعودي، وأصبحت دول الساحل التي كانت مشيخات قديمة، في مواجهة هذا الانهيار دون غطاء الانتداب الإنجليزي السابق، فهذه الدول باستثناء عُمان، لا تملك أي قاعدة توازن قومي لتأمينها أمام خرائط الخليج المفاجئة، سواء في الشرق والشمال السعودي أو الجنوب العراقي المحتقن.
هنا يلعب الدور التركي محور توازن، خاصة بعد أن أفادته التطورات الأخيرة، وأصبح يُنظم علاقاته مع برلين وبقية أوروبا ثم واشنطن، وخاصة في الموقف من تصفية الشهيد جمال خاشقجي، وهو تطور مطمئن للكويت، والتي حرصت على تحييد الموقف السعودي، وسحب خصومته الشرسة قبل إقرار الاتفاق مع أنقرة.
ومع التصعيد الأخير من ترامب وانقلابه على السعوديين، حتى مع ختمها بصفقة فواتير أخرى، فإن هذه التصعيدات باتت تشكل سماءً سوداء مكتظة على المنطقة، من أثر الخطايا السعودية الأخيرة، التي مكنت المشروع الدولي عبر أبوظبي من مفاصلها القومية، وملفاتها الأمنية، والتي قدمت لها أزمة الخليج مخزوناً من الوثائق لتستخدم ضد السعودية، عبر الأرشيف السعودي ذاته، الذي رصده الغرب بدقة.
وهنا تنظر الكويت بعين دقيقة لما بعد هذه الاضطرابات، ومع تقدم الروس المطرد نحو مياه الخليج العربي، فإن المنطقة تحتاج إلى سلة توازنات، تنفذها كل دولة، خلال المرحلة الانتقالية، من جحيم السقوط أو اضطراباته المتعددة، لتثبيت أمارات العتوب التي تعيش واقعاً صعباً في الكويت والبحرين، لكن الكويت لم ترهن عمقها ومستقبلها في الأزمة الخليجية، كما فعلت المنامة.
كما أن الحضور التركي توازنه ثنائي أمام إيران من جهة، وأمام بريطانيا ذات التاريخ القديم في المنطقة، وهذا لا يعني أن تنفصل الكويت عن العلاقات البريطانية الخاصة، لكنها تسعى ألا تكون مرتبطة بشبكة حماية غربية وحيدة، بأن تدخل الجانب التركي، إلى شراكتها الاستراتيجية، مع الوجود الأميركي الواسع.
ويُظهر الأتراك موقفهم، بصورة عملية تدرك أن أمارات الساحل، لن تنفك عن اتفاقياتها الغربية، ولكنها تَعتبر شراكة القوات المسلحة التركية، في حمايتها، عنصرا جديدا ينضم لاتفاقياتهم، وخاصة أن خروج تركيا من الناتو غير وارد رغم كل التصعيدات الإعلامية، واليوم تطوى صفحة التوتر التركي الأميركي الأخير في قضية اعتقال القس الأميركي.
وشكر ترامب للرئيس أردوغان، هو ضمن دلائل هذه التسوية، التي قد تعزز عودة واشنطن لتركيا، بعد أن أبحرت الأخيرة في مشروع موسكو الأروروسي، لتأمين مصالحها البديلة عن مواسم واشنطن المضطربة، وهي ترقب في ذات الوقت خشية أوروبا وواشنطن من ذلك، وتقول لهم الفرصة أمامكم لإصلاح ما دمرتموه من علاقة.
وهذا يضيف للتعاون العسكري الكويتي التركي بعد طمأنينة آخر، حيث إن الكويت ترى توازن أنقرة بين موسكو والناتو، تعزيزا لمشروعها الجديد لأمنها القومي، وبعث الرسالة لمحيط التهديد، أن الكويت جمعت سلتها الاستراتيجية من خطوط متعددة، وهو ما تسعى لتأمينه، حتى تعبر رياح الخريف الخليجية الكبرى، ويصبح الناس على خرائطها الجديدة.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
18/10/2018
3560