+ A
A -
عندما كان مهاتير محمد وزيراً للتعليم في ماليزيا، حلَّ ضيفاً على مدارس «كوبانج باسو» في حفل آخر السنة... وكعادته فإنَّ مهاتير محمد يُفكر خارج الصندوق، ويرفض أن يكون جزءاً من الإجماع!
أخبرَ المعلمين بأنه سيجري لهم مسابقةً وإن كان حفل التخرج للتلاميذ!
وزَّع على المعلمين بالونات، وطلبَ من كل معلم أن يقوم بنفخ بالونه ثم يربطه بشريط صغير في رجله.. وبالفعل قام المعلمون بتنفيذ طلب وزير التعليم!
عندها قال مهاتير للمعلمين شارحاً المسابقة:
المسابقة على الشكل التالي: سأعطي جائزة لكل شخص يحافظ على بالونه سليماً، معكم دقيقة واحدة، ابدأُوا!
عندها هجم المعلمون على بعضهم البعض كل واحد منهم يحاول أن يفقأ بالون زميله ليفوز!
وبعد مضي الدقيقة المحددة، قال لهم مهاتير: لم أطلبْ من أحد أن يفقأ بالون زميله، قلتُ احتفِظوا ببالوناتكم، ولو أن كل واحد منكم بقي واقفاً مكانه دون أن يأخذ قراراً سلبياً تجاه زميله، لبقيت كل البالونات سليمة، ونال الجميع الجوائز!
هناك دروس تصلح لحصة دراسيّةٍ واحدة، وهناك دروس تصلح لفصل دراسيّ، وهناك دروس تصلح لسنة، أما درس مهاتير محمد فكان يصلح أن يكون درساً للعمر كله!
إحدى مشاكلنا العويصة في هذه الحياة أننا ننظر إلى الآخرين على أنهم تهديد لنا، وكأننا في منافسة محمومة عنوانها: أفوزُ وحدي أو فليخسر الجميع!
يقولُ الفرنجة: إن تكسيرك لمجاديف غيرك لا يزيد من سرعة قاربك
وصدقَ الفرنجة! إذا أردتَ أن تكسب السباق عليك أن تعمل على تحسين مهاراتك وقدراتك بدل أن تُفكر بإسقاط غيرك!
إسقاط سمعة الآخرين لا ترفع سمعتك!
وإطفاء شموع الآخرين لا يزيد وهج شمعتك!
رسوب الآخرين لا يعني أنك ناجح وفلتة زمانك، أنتَ تقارن نفسك بهم، فيكبر في عينك ضئيل نجاحك! أنت هنا تُفكر فقط في أن تكون أفضل من الآخرين، بينما سرُّ اللعبة أن تقارن نفسك بنفسك! وتحاول أن تكون اليوم أفضل منك في البارحة، وتكون في الغد أفضل منك اليوم!
وكما أن القاع يتسع للكثيرين، فكذلك القمة! من قال أنه لا يمكن أن يقف على القمة إلا رجل واحد
من مآسي العمل الجماعي في عقليتنا أننا نعمل وفق عقلية الضرائر! كل ضرة تحاول أن تثبت أنها الأفضل عن طريق الانتقاص من ضرتها! ربُّ العمل ليس زوجاً، ونحن لسنا ضرائر! نحن شركاء، علينا أن ندعم بعضنا البعض، أن نمد أيدينا للمتعثرين، ونرشد التائهين، وننصح، ونبادر، ونساند، ونبني جسوراً للوصل لا سدوداً للفصل!
وما أرقى الإمام الشافعيّ يوم قال، كما في كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي:
ما ناظرتُ أحداً قط إلا وتمنيتُ أن يُوفق ويُسدد ويُعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، ولم أبالِ بيَّنَ الله الحقَّ على لسانه أو لساني!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
11/10/2018
9514