+ A
A -
أدهم شرقاوي
روى المقري التلسماني في كتابه أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، قال:
كان الزمخشري مقطوع الرِّجل، فسُئِل عن ذلك..
فقال: بدعاء أمي! ذلك أني كنتُ في صباي أمسكتُ عصفوراً وربطته بخيط في رجله، فجذبته، فانقطعتْ رجله!
فتألمتْ أمي لذلك وقالتْ: قطع الله رجلكَ كما قطعتَ رجله!
فلما كبرتُ، وكنتُ في سفرٍ إلى بُخارى لطلب العلم، سقطتُ عن الدابة، فانكسرتْ رجلي، ووجب قطعها!
لا شكَّ عندي أنَّ أم الزمخشري، كحال أمهاتنا اليوم، عندما دعتْ عليه إنما كانت تدعو بلسانها لا بقلبها، وأنها لو عاشتْ حتى رأتْ رجل ابنها تُقطع وخُيِّرتْ بين قطع رجلها هي أو قطع رجل ابنها، لاختارتْ أن تُقطع رجلها ويسلم ابنها! ولكن الدعاء سهم صائب، وقد يوافق ساعة استجابة، ولاتَ ساعة مندم! لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا تُوافقوا من الله ساعة استجابة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم»!
ومما يُروى في هذا الباب:
رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يده مشلولة، فسأله عن سبب شللها
فقال الرجل: شُلَّتْ بدعوة أبي عليَّ في الجاهلية
فقال عمر: هذا دُعاء الآباء في الجاهلية، فكيف في الإسلام!
ثم كلكم تعرفون قصة جُريج العابد، وكل شيء يمضي بقدر الله، ولكن ما أصابه بدعوة أمه عليه يوم قالت: اللهم لا تُمته حتى تريه وجوه المومسات!
اتقوا الله في أولادكم، وخصوصاً الأمهات، لأنهن أسرع للعن والدعاء على الأولاد بالسوء في حالة الغضب!
إذا كسرتْ البنتُ صحناً، قالت الأم: كسر الله قلبك! ماذا لو وافقت ساعة استجابة، أصحنٌ يعدل قلب ابنتك؟!
إذا أغضب الابن أمه، قالت له: أشقاك الله! ماذا لو وافقت ساعة استجابة، أشقاءُ عُمر يعدل غضب ساعة؟!
ولا داعي لسرد كل الدعوات، فجميعنا نعرفها، نسمعها في بيوتنا، وتصلنا أحياناً في بث مباشر من بيوت الجيران، المهم أن الفكرة قد وصلت!
علينا أن نعوِّد أنفسنا على الدعاء للأولاد لا عليهم، وما أحلاها من كلمات لو قلناها: أصلحك الله، ربي يهديك، ربي يشرح صدرك، وغيرها من الكلام الجميل الذي نعرفه ويفوتنا في ساعة الغضب أن نردده!
إن القدر موكل بالمنطق كما قال أبوبكر رضي الله عنه، وتصديقاً لكلام الصِّديق، وهو صادق بلا دليل مني! أخرج مسلم في صحيحه:
«عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من المسلمين قد مرضَ وخفتَ وصار مثل الفرخ!
فقال له: هل كنت تدعو بشيء
قال: نعم، كنتُ أقول اللهم ما كنتَ معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، لا تطيقه! أفلا قلتَ: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
فدعا، فشفي»!
أيها الأبناء: لا تُغضِبوا آباءكم وأمهاتكم
أيها الآباء والأمهات: لا ترموا أولادكم بسهام الدعاء، فدعاء الأبوين قلما يُخطئ هدفه!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
07/10/2018
6130