+ A
A -
هل تنجح واشنطن في بلوغ أهدافها؟ «1-2»
قرار الإدارة الأميركية التوقف عن تقديم مساعداتها المالية، إلى وكالة الاونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، عدا عن كونه يشكل تخليا عن التزامات أميركا الدولية التي يفرضها قرار مجلس الأمن الدولي عام 1949 بإنشاء الاونروا وتوفير المستلزمات المادية لها لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين ريثما تتأمن شروط عودتهم إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها عام 1948، فانه يمثل هجوما عدوانيا يستهدف محو آثار الجريمة الصهيونية باغتصاب فلسطين وتهجير أبنائها من أرضهم وديارهم وبالتالي استكمالا لقرار الغرب بتمكين العصابات الصهيونية بالسيطرة على فلسطين وزرع الكيان الصهيوني ليلعب دور الحامي لمصالح الدول الغربية الاستعمارية والأداة لضرب الأنظمة الوطنية وحركات المقاومة،
وهذا الاستكمال للجريمة يتم اليوم من خلال سعي واشنطن وراء قرارها إلى شطب وإلغاء حق العودة، بعد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية العنصرية، في سياق هجوم أميركي إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وفرض الحل الصهيوني للصراع. ما يؤشر إلى وجود خطة أميركية لمحاولة لتمرير صفقة القرن.. وهو ما كان قد أفصح عنه صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير ل صحيفة «فورين بوليسي» بالقول:« لا يمكن أن يكون هدفنا الحفاظ على استقرار الأمور كما هي..ففي بعض الأحيان عليك أن تخاطر بطريقة استراتيجية وتقوم بتفكيك الأشياء للوصول إلى مسعاك» وذلك في إشارة إلى عدم ممانعته أن يتسبب انهيار الأونروا وغيرها من الخطوات المعقدة في حدوث أضرار جانبية.
إن مثل هذه الخطوة الأميركية الهادفة إلى محاولة تحقيق هدف إسرائيل الاستراتيجي بإنهاء القضية الفلسطينية وشطب حقوق الشعب الفلسطيني وإلغاء حتى أي حق له بإقامة دولة مستقلة، إنما تسعى إلى نفي وجود هذا الشعب وجعله ملحقا إما بالأردن، أو بمصر، أي اعتبار الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أقلية تحوز فقط على حق إقامة سلطة حكم ذاتي في الضفة مرتبطة بالأردن، وفي غزة مرتبطة بمصر، وهو الحل الذي كان قد اقترحه رئيس الحكومة الصهيونية مناحيم بيغين للقضية الفلسطينية، في أثناء المحادثات مع مصر أيام حكم الرئيس أنور السادات..
لكن هل من الممكن أن تحقق واشنطن وتل أبيب هدفهما في تمرير صفقة القرن؟.
الأمر ليس بهذه البساطة، صحيح أن هناك مخططا خطيرا ويملك القدرات والإمكانيات، وهناك من هو على استعداد لمساعدته فلسطينيا، وتحديدا السلطة الفلسطينية المرتبطة بالاحتلال، ماديا وأمنيا وسياسيا،لكن الصحيح أيضا أن هناك العديد من العوامل التي تقف عقبة حقيقية أمام تنفيذ مثل هذا المخطط التصفوي للقضية الفلسطينية، وأهم هذه العوامل هي أنه لا يوجد فلسطينيا من يملك التأييد للموافقة على شطب حق العودة، بل أن الغالبية من الشعب الفلسطيني يرفض هذا الخيار، وتتمسك بحق العودة، ومسيرات العودة الكبرى على تخوم غزة تشكل دليلا واضحا على ذلك، وهذه الغالبية متواجدة في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية ومخيمات الأردن وسوريا ولبنان. وقطع المساعدات عنها سوف لن يقود سوى إلى تأجيج المقاومة والانتفاضة في الضفة وغزة، ودفع الشباب الفلسطيني للالتحاق بصفوف المقاومة وبالتالي إعادة تزخيم عمليات المقاومة والانتفاضة. وهو ما حذر منه ضباط صهاينة، إذ قال أحد كبار هؤلاء الضباط من الوحدة العسكرية التي تدير الضفة الغربية، في تعبيره عن القلق من قطع المساعدات عن الاونروا:« هذه مصلحة أمنية تهمنا جميعا..نحن لا نريد أن يشعر الأطفال بالملل، وأن يبدأوا برمي الحجارة».
كما عبر كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين عن هذا القلق. ووفقاً لتقرير في التليفزيون الإسرائيلي في نهاية الأسبوع الثالث من آب الماضي، إذ قال بعض من أولئك المسؤولين لمجلس الوزراء الإسرائيلي بأن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية على إسرائيل، وقد «تضرم النار على الأرض». وحذر آخرون من أن (حركات المقاومة ستملأ) الفراغ الناجم عن أي تراجع في خدمات «الأونروا».
أمّا أسباب القلق فليس من الصعب إدراكها. فكما ذكر أحد الدبلوماسيين الدوليين في القدس المحتلة ذات مرة، إن «الأونروا» هي بالفعل وكالة «شبه حكومية» في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوفر التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى لحوالي مليوني شخص. وإلى جانب الضرر الأكبر الذي سيلحق بالاقتصاد الفلسطيني بعد وقف تطوير مشاريع النية التحتية- التي تشمل الطرق، والصرف الصحي، ونقل إمدادات الكهرباء، والمياه وما شابه ذلك - هناك مشكلة شخصية وملحّة أكثر. وإجمالاً، يستفيد عشرات الآلاف من فلسطينيي الضفة الغربية، سواء بشكل مباشر أو عبر أوساط الأسرة الموسعة، من التوظيف في هذه المشاريع. وفي هذا السياق قال المقدم المتقاعد في الجيش الإسرائيلي ألون إفياتار، «ليس هناك من بدائل لجميع هؤلاء الناس، من حيث فرص العمل»، وفي إشارة إلى الخطر الأعظم المتمثل في الفراغ السياسي، أضاف: «إذا قَطعْتَ يداً، عليك أن تتأكد من أن اليد الأخرى تطعمهم».
كما أن قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة تملك القدرات المتزايدة على مواجهة مثل هذا المخطط وهي خرجت من الحروب التي شنتها عليها إسرائيل أكثر قوة وتصميما على مواصلة القتال والمقاومة لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، وظهرت القوة الصهيونية عاجزة عسكريا عن القضاء على المقاومة في قطاع غزة الصغير المساحة والمكشوف لحركة الطيران الصهيوني بسبب طبيعته الجغرافية حيث لا جبال أو وديان أو غابات تخلق عراقيل أمام حركة الطيران والجيوش.
يتبع

بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
08/09/2018
2095