+ A
A -
تبدو كل الشواهد في مستقبل الأزمة الخليجية متجهة بوضوح إلى التطبيع، ويقصد بالتطبيع أن الأزمة ليست عابرة، وإنما مقيمة لبعض الزمن، والوصول إلى مرحلة التطبيع لم تبدأ الآن، ولكنّ معالمها قد برزت منذ الذكرى الأولى لقرار الأزمة واستهداف الشعب والدولة في قطر، وهنا وقفة يسيرة لحجم تغول الكراهية في مسار الأزمة.
حين تبنّى أمير سعودي باسم انتمائه لأسرته الحاكمة، حملة جديدة تسخر من الشعب القطري، وتستخدم مصطلح (جطر والجطريين)، والتركيز على امتهان أهل قطر، وهو خرق جديد لكل البروتوكولات والآداب العامة، التي كانت مستمرة في لغة الأسرة السعودية الحاكمة، بغض النظر عن مشاريعها السياسية ومواقفها النزاعية مع أهل الخليج العربي.
وصحيح أن موجات تويتر، ليست مداراً للحكم في الحالة السياسية، غير أن في واقع الأزمة الخليجية كان لها بعد قياسي كبير، بل إن وقف رسالة الحوار بين الدوحة والرياض، التي بادر إليها الشيخ تميم عند أول الأزمة، جاء الرد عليها عبر تويتر، ومشكلة الأمير السعودي أن هذه اللغة كانت الرياض تسعى لتجاوزها، حيث إن هذه اللغة تربط بصورة استعلاء الأمراء السعوديين في الوطن العربي، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بدول الخليج؟
وخاصة من خلال تكريس المنظور القومي لإقليم نجد، كركيزة اجتماعية تاريخية للدولة السعودية وعهودها، والتعامل مع أهل الساحل داخل حدود الدولة وخارجها بمنطق فوقي خطير، أو ربط ذلك بالموقف العقائدي الأيدلوجي، بين نجد والساحل باعتبار سنّة أهل الخليج من الدرجة الثانية.
فهذه الرسائل خطيرة جداً على الصورة السعودية في الخليج، التي بالكاد تتخلص اليوم من أزمة مسؤولية استهداف أهل عُمان، في المشروع الأمني المذهبي، وحين نضع هذه القياسات في مسار التحليل السياسي، فنحن نحذر كل الأطراف بما فيها بعض الحسابات القطرية التي تورطت خارج التعميم الأميري الكريم، لمستوى سيئ جداً في منزلق الرد على السعوديين.
مذكّرين بأن هذه الأزمة ستطوى بعون الله مهما طالت، وأنّ علينا جميعاً كشعب عربي في الخليج، أن نقلل من الجراح التي سنقف أمام معالجتها بعد طي الأزمة الكارثية التي تسبب بها محور 5 حزيران، والله المستعان.
هنا يُطرح سؤال مهم أين قمة واشنطن في الخريف القادم، وهل ما يجري هو عملية عض أصابع لحين حصول القمة، التي تعتقد كل الأطراف بأنها قد تكون حاسمة، فيضغط على الطرف الآخر؟
هناك تسريبات حذرة بأن تحديد الموعد لايزال واردا، خلال سبتمبر الجاري، وشخصياً أشك في ذلك، خاصة في ظل انسحاب الشيخ صباح وجهود الوساطة الكويتية المرحلي، وإن كان هذا الانسحاب قد يفسّر بأن الكويت بذلت جهودها الممكنة، وأنها تُدرك أن أصحاب القرار في أبوظبي والرياض، لن يتعاملوا إلا مع موقف حاسم من البيت الأبيض، وخاصة بأن الكويت تراعي مصالح أمنها القومي، ورغبتها بالابتعاد عن القصف الإعلامي الذي طالها أول الأزمة.
والحقيقة أن ملف البيت الأبيض بذاته معقد، فأين سيضع ترامب المتورط، جدولة الأزمة في برنامجه، وهل مؤسسات واشنطن اليوم، والضالعة في الأزمة الدستورية والسياسية المتوقعة في الولايات المتحدة الأميركية، في صدد الضغط على ترامب، أم أن المؤسسات ترى أن إنهاء فرص العمل العسكري اليوم، وإعادة الوعود (غير الموثوق بها) للدوحة يكفي، وإن كان عزل العمل العسكري فرضته حسابات أخرى، حتى تنهض أميركا من صدمة الرئيس الأحمق.
هنا في الآونة الأخيرة تصاعدت حملات الهجوم الإعلامي المتبادل، بين الرياض وبين الدوحة، وبدأت الدوحة في الرد بعد إعطاء فرصة زمنية واسعة، منذ أعلنت الرياض رسميا وحتى اليوم تبني إسقاط الحكم في قطر بكل طريقة، بما فيها رعاية معارضة شكلية باهتة، بعد فشل الرهان على انقسام الأسرة الأميرية، التي سُحبت رموزها من المشهد.
رد الدوحة جاء بمنح المعارضة السعودية، مساحة إعلامية ومواقع متعددة، باعتبار حق الرد وأيضاً عنصر الضغط المتبادل، ولا نعرف حتى اليوم جدولة زمنية لمثل هذه الحرب الإعلامية، وتناولنا هنا للخلاف ليس تقليلاً، من قضايا حقوق المواطنة اللازمة لأبناء الشعب السعودي، وضرورات وقف الاعتقالات والصدام مع الإسلاميين والديمقراطيين، الذي يتوسع بصورة غير معقولة، وإنما لفهم هذا الملف في زاوية النزاع السعودي- القطري.
إن اتخاذ الدوحة قرار المواجهة الإعلامي المفتوح، بدلاً من أن تعلن مشروعها القومي للنهضة، بعد التجربة المرة والصمود، وتترك العهد السعودي يخوض تجربته، وتحيد هجومه الكريه عن مشروعها، وهو اقتراحنا القديم، فيما يبقى حق الرد مناط بفريقها الوطني الخاص بما فيها إدارة القوة الناعمة لقطر، وتقديرات المرحلة.
ولعل قرار الرد التصعيدي، ينبع من أن الرياض هي الواجهة الأكثر تأثيراً في تصعيدها على الشعب القطري، خاصة في النسك لبيت الله الحرام، وقطع الرابطة الاجتماعية لأرحام أهل الساحل.
أما المسألة الثانية، فهي أن واقع الدولة السعودية، كما أكدت ذلك د.لولوة الخاطر الناطق الرسمي باسم الخارجية القطرية، هي دولة كبرى مركزية في المنطقة، حدودها المباشرة قائمة، فلم تتغير هذه المعادلة، وبالتالي فك الاشتباك معها، مطلب حيوي بكل تأكيد في أبجديات العلاقات والجغرافيا السياسية المتداخلة، لكن الرياض رفضت كل الرسائل الإيجابية من الدوحة.
والسؤال هنا هو علاقة هذا الرد، بتوجهات ولي العهد السعودي صاحب القرار الوحيد، في إنهاء الأزمة على مستوى دول المحور، فرغم تمكن أبوظبي في الفريق السياسي السعودي، وتغولها خاصة في الذراع الليبرالي والجامي (الوهابي) السعوديين، إلّا أنّ ذلك لا يُلغي بقاء قرار الحسم بيد ولي العهد السعودي.
وهنا مدخل دقيق، فهناك غرابة شديدة من ربط كل ملفات التوتر الداخلي السعودية بقطر، التي باتت كبيرة جدا، بل أكبر من كل مساحة وفقا لتغطيات الإعلام السعودي نفسه ونخبة كتابه، وهو ما يعني أن تداخل ملف المعارضة السعودية مع قطر، على الأقل في هذه المرحلة العاصفة مفيد لتوجهات الرياض الحالية.
إن فرص حل النزاع القطري- السعودي تواجه مأزقاً رئيسياً، وهو غياب فريق استشاري جديد لولي العهد، يُكلف بدراسة ملفات المنطقة والخسائر السعودية الكبيرة، ومعالجة الأزمات الداخلية بقرارات إصلاحية قومية، أما القضايا الخارجية، فإن إدراك إشكالاتها يتوسع اليوم على الرياض.
فهل أزمة فشل طرح أرامكو للاكتتاب، وغيرها من قضايا سعودية، سيعيد التفكير الاستراتيجي عند الأمير محمد بن سلمان، وإن كان بعض الخسائر لا يمكن تعويضها، لكن وقفها ضرورة قومية للدولة السعودية.
وهنا المدخل لأحد أفقي الحل، وهو حل قد يفك الاشتباك، ولن يُطّبع العلاقات بين الدوحة والرياض، بعد سهام السعودية المرة والصعبة، في وجدان أهل قطر دولة وشعباً، ونأمل بأن يتم ذلك عبر تواصل ثنائي، يهيئ لتصوره الفريق الجديد الخاص بالسياسة الخارجية، والذي بعض شخصياته ضمن المركز الاستشاري للديوان، لكن لم يُكلفوا بهذه المهمة، أما الأفق الثاني فهو أن يتفرغ ترامب ومصالحه، لوقف الاشتباك.
والأفق الأول الذي يقوم على تواصل سري بين الدوحة والرياض، هو أفضل للجميع لأن فواتير الأميركيين لا تنتهي، فيما الأفضل تصحيح الرياض لموقفها الخاطئ، الذي سبب لها ولقطر، ولكل أهل الخليج العربي، بل كل الشعب العربي، خسائر قومية لا تعد، وهنا نعود للكلمة التي أعلنتها السعودية، أن الحل في الرياض، هذا صحيح، حين تنظم الرياض مصالحها بعقل السياسة والمصالح الواعية، لا عواصف تويتر الباغية.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
02/09/2018
3102