+ A
A -
اشتد أوار الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة وتركيا. ومن شأن النتائج التي يمكن ان تفضي اليها المواجهة غير المسبوقة بين حليفين يملكان أقوى جيشين في حلف شمال الاطلسي أن تحمل على التفكر ملياً في مستقبل العلاقة بين الحليفين، لا بل في مستقبل المنطقة برمتها.
قضية القس برونسون هي في الحقيقة واجهة الصراع الخفي الذي بدأ لإخضاع تركيا وإعادتها إلى الفلك الأميركي. هذه القضية ليست اول توتر بين البلدين ولكنها صارت رمزا لهذا التوتر. بين الطرفين تباين حول الإرهاب. انقرة تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وواشنطن لم تتوان عن ارسال شحنات أسلحة ومعدات إلى وحدات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها أنقرة فرعا سوريا لهذا الحزب.
وحتى الآن تتردد السلطات الأميركية في تسليم تركيا فتح الله غولن الذي يعيش في بنسلفانيا، ويتهمه اردوغان بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الفاشل ضده في 15 يوليو التي أدت إلى تعميق أزمة الثقة بين الدولتين الاطلسيتين.
وفي الوقت الحالي، تركز الاستراتيجية الأميركية في سوريا على الحد من الوجود الإيراني، ويصر الرئيس دونالد ترامب على فرض عقوبات جديدة ضد إيران. وفي المقابل أعلنت تركيا أنها لن تلتزم بعقوبات من جانب واحد ضد إيران. وإذا كان البلدان اتفقا على آلية حوار في شأن مدينة منبج، الا ان ذلك لايعني وجود تفاهم بينهما في شأن الأزمة السورية.
كما يثير التوجه التركي نحو روسيا والصين قلق الولايات المتحدة التي أقر برلمانها مشروع قانون لمنع تسليم تركيا طائرات «أف- 35»، ردا على اتفاق صواريخ «اس-400» مع موسكو. وحتما فإن القرض الذي قدمه البنك الصناعي التجاري الصيني لأنقرة سيزعج كثيرا إدارة البيت الابيض التي تصنف العملاق الصيني الاصفر اكبر منافس اقتصادي لها.
ومع ذلك فليس سهلا على أنقرة ان تقطع علاقاتها مع واشنطن وهي لن تعدم وسيلة لابقاء القنوات الديبلوماسية الخلفية مفتوحة. لكن النبرة الأميركية القاسية يمكن أن تدفع بأنقرة إلى البحث عن بدائل للغرب، مثل الانضمام إلى تجمع بريكس، ولأن الجيش التركي يضطلع بدور استراتيجي في «الناتو» من حيث التحكم والسيطرة بمناطق مهمة مثل القوقاز والشرق الاوسط فسيكون لدى تركيا فرصة لتعطيل عمل حلف الناتو باستخدام الفيتو وإغلاق قواعده في تركيا.
وفي المقابل لدى واشنطن الكثير من أوراق الضغط للسيطرة على خصومها والمغردين خارج سربها. كانت تلجأ إلى الحروب والقوة العسكرية ضدهم، لكنها أيضا تمارس الضغط الاقتصادي والعقوبات المالية، هي اليوم تمارسها ضد روسيا والصين وإيران، وتعاقب تركيا بتدمير عملتها. الضغط الأميركي على العملة التركية كان خفيا طوال الأشهر الماضية، حيث ظلت الليرة في حالة تراجع بوتيرة غير طبيعية وغير مفهومة، غير أن الحرب الاقتصادية أصبحت معلنة هذا الأسبوع و«على عينك يا تاجر»، عندما غرد ترامب داعيا إلى فرض رسوم إضافية كبيرة على واردات الألومنيوم والصلب من تركيا، وهي التغريدة التي سببت تراجعا مثيرا في سعر الليرة، لكنها كشفت وجه المعركة وعرتها، فلم تعد تخمينا ولا سرا.
واشنطن تراهن ان الاقتصاد التركي حديث النمو وفي بداية طريق التصنيع الثقيل، ولا تزال صادراته اقل بكثير من استيراده، لذا فهو غير قادر على مواجهة الحرب المالية الكبرى. لكن انقرة تغيرت وصناع القرار فيها اليوم يدركون أن الرضوخ لمطالب ترامب يعني تسليم البلاد ورميها في أحضان اميركا لمائة عام جديدة.. فالمال يمكن تعويضه لكن فقدان السيادة لايعوض أبدا. تركيا ليست جمهورية موز، تركيا دولة عريقة وتملك بنية مؤسسية قوية، وبنية اقتصادية متعددة الرافد ومتشابكة مع اقتصادات أوروبية، والاهم ان هذا البلد يمثل عامل توازن عسكري واستراتيجي خطير في تلك المنطقة التي تربط الشرق بالغرب وهو ما جعل الولايات المتحدة تحرص على تحالفها معها طوال أكثر من نصف قرن، وهكذا فان خسائر واشنطن ستكون ايضا باهظة إذا قررت تركيا الانتقال إلى بدائل عسكرية واستراتيجية واقتصادية أخرى.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
17/08/2018
1697