+ A
A -
كُنْتُ أَسْتَاءُ يا صديقي ما أن تُقَلِّدَ إِحْدَاهُنَّ تصميمي الخاص للأَقْمِصَة والسُّتْرات والسَّراويل التي أرتديها بما في ذلك إعادة هيكلتي لِعَيِّنات الـ«دْجِينْ» التي أُصَمِّمُها أو أَشْتَرِيها، حتى رَبْطَة المناديل الساترة للشَّعر، لكن أكثر ما يَبلغ بي الاستياء أن أَجِدَ مَنْ يَختلس مِن بَنْك لُغَتي الفكرةَ بل حتى التعبير والإنشاء..
في مُرَاسَلَة قديمة قال أَحَدُهُم إنَّ قريبَه الصغير يَفتح أزرارَ مَلابِسه أمام أقرانه لِيَبْحَثَ جاهدا عن قطعة الورق الْمُثبَتة بالخياطة تلك التي تُبَيِّنُ الماركة المسجلة التي يَتباهى بها صاحبُها..
لا يُمكن للفكرة نَفْسِها الانفلات بعيدا عن واقع حال السيدات، كيف لا وهُنَّ الْمُتَيَّمات بالتقليد غِيرةً مِن كُلّ «لُوكْ» جَديد تُعيد به إحداهُنَّ رَسمَ ملامح شَكْلِها الخارجي. إنه الشيء الذي لا يَحْدُث معي ولا أَسْتَسِيغُه، ليس حُبّاً في الظهور بشكل لافت، إنما تَعَوُّداً على أنْ أَكُونَ أَنَا أنا وليس نُسخة مُقَلَّدة..
رَغْبَتي في أنْ أَكُونَ مُسْتَقِلَّة عن سِوايَ جَعَلَتْنِي أَتَدَخَّلُ في كل ما أَرْتَدِيه مُرْتَئيةً البحثَ عن فِكرة تَنْأَى بعيدا عن الكائن بالرِّداء، فما بالك بالأُسلوب والإنشاء!
ليس هذا غرورا كما قد يَتَصَوَّرُ الْمُتَسَرِّعُ الذي يَسبقه سُوءُ النِّية، لكنه نوع من المطالَبة بِحِفْظِ حقوق الكاتب في ظِلّ انعدام نَصّ قانوني دولي يَحْفَظ ماءَ وجهها، ورَفْضِ تَفشّي انتقال حُقَن البُوتُوكس والفِيلر إلى جسد الكتابة هي الأخرى.. لِنَتَصَوَّرْ أَيَّ مَسْخٍ سَيُصِيبُ الكتابةَ والحال هذه!
بعيدا عن الغُرور والنرجسية نَرى من حق الكاتب أن تُعْطَى له الحُرِّية للدفاع عن حقوقه المشروعة.. وأنتَ تَكتب أنتَ تَتَأَلَّم، تَتعب، تُضَحِّي، وتَخسر الكثيرَ، فكيف يعقل أنْ يَعترض طريقَ لُغَتِكَ دخيل، ويَطحن الْمَبْنى ويَعصر الْمَعنى ويَدسُّهما في جيب كتابته ويَمضي مستعرضا عضلات حَرْفِه الهزيلة في غياب مُقَوِّيات الإحساس التي لا تَغِيبُ عَمَّنْ يُلْهَمُونَ لا مَنْ يَحْمِلُونَ إلى القارئ ما وَجَدُوه في طريقهم إليه..
لماذا لا يَحرص المرءُ على التجديد، والبحث عن الفريد، بعيدا عن مَدِّ يَدَيْه إلى جُيوب الآخَرين لانتشال شَيء مِن العُملة الحَرْفِية؟!
حينَ يَخونُكَ الإحساس لا تُجَرِّب الاختلاس مِنْ جُيوب قُلوب الناس.. الإحساس لا نَبْنِيه بالطُّوب والحَجَر.. صَدِّقْ يا صديقي.. الإحساس لا نَسْتَجْدِيه.. الإحساس مثل أَشِعَّة الشمس التي تَغمرنا بالنور فتُضيء كُلّ خلية فينا.. الإحساس مثل رائحة الورد يَعبق بها المكان.. هل يَنفع أن نَنقل العِطْرَ مِن وردة إلى وردة أخرى بِدُون عِطر؟! هل يَنفع أن نَنقل الابتسامةَ مِنْ وجه إلى وجه آخَر تَعَطَّلَتْ لُغَةُ عضلاتِه؟! هل يَنفع أن نَنقل القُبْلَةَ مِن شِفاه إلى شِفاه أخرى لا تُجِيدُ التَّقْبِيلَ ولا تَشْعُر بِخُطواتِ قَدَمَيْ القُبْلَة الهاربة مِنْ مَعْرَكَة ساخِنة؟! هل يَنفع أن نَنْقُلَ مَذَاقَ الحياة مِنْ فَمٍ إلى فَمٍ آخَر مَذاقُه مُرّ؟!
خُذُوا كُلَّ شيء مِنْ هذا العالَم الذي ترَكْنَاه لَكُم لِتَرْكُضَ فيه خَيْلُكُم، لَكِنْ أَعِيدُوا إلينا الكَلِمات.. في كَلِماتٍ نُرَبِّي الإحساسَ.
نافِذَةُ الرُّوح:
«دَعْكَ مِنْ حِذائي، وَاصْنَعْ حِذَاءَكَ الخاصَّ وأنتَ تُفَكِّر في استعراضِ عَضَلات قَدَمَيْكَ».
«أَعْرِفُ أنَّ أَصَابِعَكَ تَتَسَلَّلُ إلى حقيبتي لكنَّنِي بِمِزَاجي أُغْمِضُ عَيْنَيَّ».
«فُستان الحِكمة لا نَسْرِقُه، لكنَّنا نَدْفَعُ مُقَابِلَ كُلّ خَيْطٍ فيه دَمْعَةً وآهاً».
«وَاهِمٌ مَنْ يُكَذِّبُ قَلْبَهُ».
«طَائِرُ الْحُزْنِ الْمُهَاجِرُ في لَيْلِ الكَلِمات يَعُود إلى شجرةِ الضَّوء رِفْقاً بِدُموعٍ تَأْبَى إِلاَّ أَنْ تَفْضَحَه».
«بَيْنَ سُوناتا الرحيلِ وكُونْشِرْتُو العَودةِ قَلْبُ امْرَأَةٍ يُجِيدُ التَّمَرُّدَ وَرُكْبَتَا رَجُلٍ تُجِيدَانِ اسْتِعَادَتَهَا».
«وَنَحْلبُ قمرَ أوغست إلى أن تَكْتَمِلَ القَصيدةُ مَطَراً يا وَتَرُ».

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
16/08/2018
3290