+ A
A -
«في مجال حقوق الإنسان لا مكان للانتقائية في المواقف، والازدواجية في المكاييل، فهناك فقط موقف مبدئي واحد وأصيل، هو الدفاع عن حقوق كل إنسان، أي إنسان، أياً كانت عقيدته الوطنية، أو اعتقاده السياسي، أو منطلقه الأيديولوجي، الدفاع عن الإنسان المجرد، وليس الإنسان المُصنّف الذي يشاركني الانتماء والتوجهات، في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان المعيار الأوحد الذي يحدد من هو الإنسان، هو إنسانيته وليس دينه، ولا لونه السياسي ولا أيديولوجيته، وأنا لم أتوصل إلى هذه القناعة باختيار فكري فحسب، وإنما هذه القناعة تولدت لدي من دروس الحياة التي تؤكد أن التغاضي أو السكوت على أدنى انتهاك لحريات الآخرين، حتى لو كانوا منافسين سياسيين أو خصوماً سياسيين أو حتى أعداء سياسيين، مثل هذا التغاضي هو سهم لا بد أن يرتد إلى صدر المتغاضي، لأنه يُسهِّل على الدولة البوليسية إرساء قاعدة سرعان ما تعمم على الجميع، وتكريس نهج سرعان ما تصيب لعنته الجميع، لذلك لا يجوز التعامل مع أي إهدار لحريات خصومنا السياسيين بمنطق «بركة يا جامع».
ما سبق جزء من كلمة القاها المحامي الحقوقي الأشهر أحمد نبيل الهلالي، رحمه الله، في احتفالية عقدت لتكريمه عام 2004، أو بالأصح هي قاعدة إنسانية نبيلة، تصلح- بل يجب في تقديري الشخصي– أن تضمن هي وأمثالها بالمناهج التعليمية، في مدارسنا، إن اردنا أجيالاً تؤمن بالإنسانية والحوار، وثقافة الاختلاف، ذلك الذي نردد منذ مئات، وربما آلاف السنين، أنه لا يفسد للود قضية، بينما يقول واقعنا، إن أصغر خلاف، بل يفسد أوثق العلاقات بيننا، ويحيلها إلى عداوة مستحكمة.
قبل نحو اثني عشر عاماً، كنت أتحدث مع أحد كبار أستاذة القانون المرموقين، الحديث كان عن قضية حقوقية شهيرة لأحد الأشخاص، فذكّرت له، أن المجني عليه، له سجل إجرامي، يعني «مسجل خطر»!، ففطن الرجل أنني بهذه التذكرة، إنما أردت أن أبرر ما حدث له، فقال بوضوح وحسم.. «حتى وإن كان المجني عليه ابن...»، هذا لا يبرر تعذيبه وانتهاك آدميته، فإجرامه يعاقب عليه بالقانون.. ثم وجه إليّ حديثه قائلاً: «تعلم أن ترفض الانتهاكات حتى ولو كانت تمارس ضد ولاد....»، لأنهم أولاً بشر، من بني آدم الذين كرمهم الله، وثانياً: لأن من ينتهك الحقوق ويهين الآدمية، لا يفرّق بين مجرمين أو أبرياء.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
12/08/2018
2335