+ A
A -
من التقوا بوالدي في أواخر أيامه قبيل الرحيل، يفهمون سبب ارتباكي كلما طالعت الفنان العالمي «انتوني هوبكنز»؛ فالرجل وثيق الشبه بوالدي، وثيق الشبه حتى بتجاعيد العينين، اللفتات، الإيماءات الراقية غير المبالغ فيها، ثقب العين الصغير، الشعر الخفيف، الذقن، البشرة البيضاء والجبهة اللامعة بخطيها، الفم الدقيق، هيبة الجلسة والحضور، فرط الجاذبية، أسلوب الإنصات والطرب بهز الرأس بهوادة، هيكل الرأس، مظاهر الـ «MASCULINE LOOK»
كل شيء كأنه هو.. كأنه هو.. صدقاً، إن كل ما في قسمات هذا الرجل يذكرني بوالدي فهو أنموذج لـOLD SCHOOL MAN FIGURE

تذكرت هوبكنز ووالدي حينما طالعت فيديو منتشراً على «اليوتيوب» يعرض مقطوعة موسيقية آية في الإبهار، على أن «هوبكنز» قد ألّف هذه السيمفونية بعمر التاسعة عشرة، لكنه أخفاها لخجله من مستواه في الموسيقى آنذاك؛ إذ كان الرجل يفتقر في هذه السن لصائب الرؤية الضرورية لتقدير موهبته، فنسى حلم الموسيقى واتجه صوب التمثيل.
بعد خمسين عاماً، تحققت أمنية «هوبكنز» حين قدم اللحن بأحد أعرق مسارح الدنمارك، الفنان العالمي وقائد الأوركسترا الشهير «أندري ريو».
كان «هوبكنز» يجلس في الصفوف الخلفية، وبعد الانتهاء من عزف اللحن، وقف الحضور ونظروا للخلف؛ حيث يجلس «هوبكنز» وأسرفوا في التصفيق، رغم أن الطبيعي أن يصفق الجمهور باتجاه المسرح للأوركسترا. كانوا يحيون المؤلف الموسيقي البارع الذي أضاع خمسين خريفاً من عمره دون أن يعي قدرته في التأليف الموسيقي.
لقد كان هذا المشهد محرضاً لي ألا أنسى أبداً أحلامي.
شاهدت العرض وتمنيت أن لو حضرت حفلة «لأندريه ريو». أوااه، إنها أحد الأحلام المدونة بـ «قائمة أمنيات قبل الرحيل».
فبصباي، نسيت أن أحلم، تماماً كما نسي «هوبكنز» حلم التأليف الموسيقي، فلقد كنت ككثر من القراء المولعين بمطالعة «بريد الأهرام» المعني بمناقشة مشاكل القراء والذي كان يحرره في ذلك الوقت الصحفي الأستاذ عبدالوهاب مطاوع.
ومنذ سنوات فوجئت أن زميلة دفعتي بالجامعة «جيهان الغرباوي» حررت هذا الباب عقب رحيل الأستاذ مطاوع. يومها، أدركت أنني- فقط- نسيت أن أحلم بتقلد هذه المكانة ليس إلا، فقط نسيت أن أتمنى كتوطئة للسعي، مذ ذاك اليوم شرعت في تدوين أمنيات قبل الرحيل ومنها:
أمنية القفز بالمظلات
ودراسة فن الماكياج
وتعلم العزف على الكمان
والإقامة بدولة جوها بارد
كما وحلم النحافة
وأمنية تحسين خطي ودراسة اللغة السريانية، فلي ولع بالتعرف على اللغات الشرقية. وليتني أتمكن من الصلاة على وقتها بما في ذلك صلاة الفجر. وودت معاودة «فينا، كومو ولوجانو» لاسترجاع ذكريات لي هناك والإقامة ستة أشهر بريف «اسكتلندا» وأخرى بـ «يوركشاير» وريف شمال تركيا وأن أزور اسطنبول كل عام بعيد الميلاد. وأرجو من الله أن تستمر علاقتي مع أبنائي بنفس هذه القوة والقرب. كما وأود أن تتحمس «دار الساقي» لنشر كتبي. ولكم أحلم بفسحة من العمر تتيح لي فرصة الانتهاء من كتب وددت لو طالعتها وأخرى وددت لو كتبتها. ولكم أرجو أن يبقى مداد ما أكتب بعد الرحيل، وأخرى من الأمنيات. لا تنسى أن تحلم قبل الرحيل.
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
04/08/2018
6789