+ A
A -
تنوعت ردود الفعل على قرارات المؤتمر العاشر لحركة النهضة في تونس بين المؤيد والمعارض والمتشكك، ولكنها بعيدا عن كل هذه التقييمات قدمت دروسا للمعنيين بحاضر ومستقبل القوى السياسية بمختلف توجهاتها التي تتصدر المشهد السياسي في المنطقة العربية في أعقاب رياح التغيير منذ خمسة أعوام. ومنها أن المرحلة الانتقالية في بلدان التغيير ستطول ويصعب التكهن بمآلاتها، وأن التجارب حتما تختلف باختلاف الظروف والثقافة السياسية، وأن الأحكام المسبقة لا تصلح لفهم عمق التغييرات التي تقع هنا وهناك.
راشد الغنوشي ورجاله في حركة النهضة فاجأوا المعنيين جميعا بإعلان انفصالهم عن «الإسلام السياسي» كمصطلح، فقالوا قبيل انعقاد المؤتمر العاشر،وكما نفهم من قرارات المؤتمر، ما معناه أن المصطلح قد عفا عليه الزمن، ومن ثم يخرجون منه من الآن فصاعدا ويدخلون إلى ما أسموه «الديمقراطية المسلمة». وقد برروا ذلك بالنسبة لهم كتجربة إسلامية سياسية بأن المصطلح ظهر في الماضي من جانبهم بكونه رد فعل على مرحلة الدكتاتورية والشمولية في تونس قبل الثورة، وأضافوا كما كان رد فعل للعلمانية. وبما أن كل ذلك لم يعد قائما مع تغير الحكم وحدوث الثورة حيث لا ديكتاتورية ولا شمولية ولا علمانية وفقا لدستور 2014 بل أصبحت تونس بلدا ديمقراطيا، فإنه لم يعد هناك مبرر لاستمرار التمسك بالإسلام السياسي.
مفاجآت النهضة لم تقف عند هذا الحد بل امتدت إلى مسألتين أخريين لا تقلان أهمية عن الإطاحة بمصطلح «الإسلام السياسي»، هما فصل السياسة عن الدعوة، وتونسة التوجه الإسلامي للحركة. ومن تابع نشاط الحركات الإسلامية منذ عقود طويلة يعلم جيدا أن نقاشا حادا جرى ولا يزال داخل كل الحركات المعتدلة (التي تؤمن بالتغيير السلمي وعبر الوسائل الديمقراطية) بين الذين يؤيدون الربط الوثيق بين العمل السياسي والعمل الدعوي، وبين من يطالبون بالفصل بينهما.وقد فاجأت حركة النهضة الجميع بإعلانها فصل النشاط الدعوي عن السياسي. وبررت ذلك بأن هناك جمعيات في المجتمع المدني يمكن أن تقوم بمهمة الدعوة، والتزاما بالدستور الذي حظر إقامة أحزاب على أساس ديني أو عرقي أو لغوي. وأما ما يتعلق بالتونسة فالمقصود به حدوث تغير في الأولويات السياسية لحركة النهضة،وذلك من حيث التخلي عن أولوية التركيز على الهوية العربية والإسلامية لمصلحة هوية تونسية أكثر براجماتية وليبرالية. ومعنى هذا أن الالتزامات الدولية للحركة بالنسبة لعلاقاتها مع أقرانها لن تمضى كما كانت في الماضي.
بغض النظر عن وجاهة كل التقييمات، فإن ما لا خلاف عليه أن الحدث يعد واحد من تجليات المحاولات المبذولة من القوى السياسية المعتدلة ذات التوجه الإسلامي للخلاص من التحديات التي أفرزتها رياح التغيير والتصقت بهم عن قصد أو دون قصد، وفي القلب من ذلك كيفية ممارسة الحكم من خلال تداول السلطة لا الهيمنة عليها.
ما فعلته حركة النهضة يبقى مصيره ليس مرهونا فقط بأفعالها مستقبلا وإنما بإرادة كل التونسيين، وكلا الأمرين يظلان موضع اختبار في مرحلة انتقالية تطول كثيرا. وعلى الجانب الآخر تبقى الدروس بالنسبة للآخرين ماثلة للعيان لعلها تجد من يعمل بها، وهي أن التغيير يمكن أن يطول أشد المسلمات في مراحل الانتقال إذا ما اقتضت مصلحة الجماعة والوطن ذلك.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
04/06/2016
2905