+ A
A -
نَتَعَوَّدُ على أن نَقِفَ عند رصيف العذاب أو يَقِفَ عند بابنا الحُزْنُ، ليس لأننا لا نُحِسّ، إنما لأننا نَتَحَمَّل.. ما أقسى إحساسَنا بأننا تَرَكْنَا نُفوسَنا لإرادة الأيام، نَتَمَرَّغ في طينها، إلى أن عجنَتْنا المشاكل وأَحْكَمَتْ سَدَّ بابِ فُرنِ الحياة الساخن بعد أن أَلْقَتْ بِنا فيه..
لا يَعرف الواحدُ مِنَّا إن كان يَحترق أم يَتَمَرَّن على التحدي وقوة المواجهة، لكننا نَكتفي بأن نَقولَ: الحمد لله، نَقولها بالقلب قبل اللسان.
قلبك يا إنسان يَبكي، يَبكي في صمت كلما شَقَّتْهُ مُصيبة أو اعْتَصَرَه أَلَمٌ أو انْصَهَرَ تحت حرارة النَّدَم أو انْفَجَرَ تحت ضغط الظُّلم، لكنه في كل مرة لا يَجدُ غير أن يُسَلِّمَ أَمْرَكَ لله.
هي عقيدة الْمُسْلِم، قبل أن يَكون إنساناً، تلك التي تُدَرِّبُه على التحمل وتَقَبُّل الابتلاء بعيداً عن الكُفر بالقَدَر أو اللَّعِب بأوراق كُرَة الحَظّ الباحثة عن طريقها إلى مرمى الاختيار.
مِنَ الابتلاء ما يُمْرِضُكَ، ما يُبْكيكَ، ما يُشْقيكَ، ما يُعَطِّلُكَ ويُحَرِّكُكَ، ما يُذيبكَ ويُجَمِّدُكَ، ما يُبَعْثِرُكَ ويُلَمْلِمُكَ، ما يَقْتُلُكَ ويُحْيِيكَ، ما يَنْشُرُكَ ويَطْوِيكَ، ما يَسْتُرُكَ ويُعَرِّيكَ، ما يُطْفِئُكَ ويُبْلِيكَ، ما يَنكأ الجرحَ بعد أن يُضَمِّدَه، ما يَسرق قوسَ قُزَح حياتِكَ ويُمَزِّق قميصَها الأبيض ويَترك لك حريةَ التعايش مع أَسْود بِطُول ليلٍ لا آخر له..
كُلَّمَا جَمَعَت الحقيقةُ حقيبتَها وغابَتْ عن عيونك، كلما تَفَوَّهَ الزمنُ بكلمة «لا» في وجهك، كلما تَثاءَبَ فَمُ النهار قُبَالَتَكَ مُعْلِناً نهايتَه قَبْلَ الأوان، كلما اسْتَلَّ اليأسُ سَيْفَه وطَعنكَ شَرَّ طعنة، كلما رَتَّبَت الحياةُ موعداً لغيركَ، كلما سَرق منك الجحودُ عُمْلَةَ الحُلْم النادرة، كلما جَرَفَكَ نهرُ العذاب إلى أَبْعَد مِن خَطّ الرجعة، فَتِّشْ في جُيوبِ قَلبِك عما ادَّخَرْتَه مِنْ إيمان لليوم الأسود الذي تَكْفُرُ فيه الحياة بِكَ.
دَرْسٌ في الصُّمود وقوة التَّحَمُّل تُعَلِّمُنا إياه قصةُ آدم عليه السلام، ولْتَسْأَلْ نَفْسَكَ دائماً: لماذا خرج أبونا آدَم مِنَ الجنة؟!
سَتَجِدُ في الجواب كُلَّ مفاتيح الحياة، فآدم لم يَخرجْ مِن الجنة سوى لأنه أكل مِنْ تفاحها الذي نهاه الله عنه، ما خرج آدَم إلا ليُعاقَبَ على فعلته، وهنا سَلْ نَفْسَكَ مجدداً: مَن نَكونُ نحن؟!
لأننا سُلالَةُ آدَم عليه السلام، فإننا سَنَخْضَع للعقوبة نفسِها، وهو ما يُفَسِّرُ حقيقةَ الامتحان الذي يَمتحننا به الله جميعاً، إنه امتحان الحياة التي لا أحد يَجِدُها تَحْلُو له بالمعايير التي تُرْضِيه، كل مِنَّا يَنقصه شيء وأشياء.
لَمْ نَخْتَرْ أن نُطْرَدَ مِنَ الجنة، لكنْ لأننا سُلالَةُ آدم فإن في وسعنا أن نَعودَ إلى الجنة في وَضعية واحدة فقط تَتَوَقَّفُ على مدى نجاحِنا في امتحان الحياة.
ما يُزَيِّنُه لنا الشيطان، انطلاقا من قوله لِرَبِّه: «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبادَكَ الْمُخْلَصِينَ»، هو ما سَيُعَطِّلُ التحاقَنا بالجنة الموعودة، لذلك ليس أمامنا إلا أن نُوصدَ أبوابَنا في وجه كل شيطان مارِد.
بإيمانكَ ستُشْعِل مصباحاً يَكفي لِيَمْتَصَّ كُلَّ الظلام، وتَسمح لشمس الابتسامة بأن تُشْرِقَ على مُحَيَّاكَ كُلَّ يوم، تَتَحَمَّل، تَمْضِي، وتُرَطِّب وَجْهَ الأيام..
نافِذَةُ الرُّوح:
«لماذا أُدافِعُ عن مَواقِفي إنْ كانَ الواقِفُ قُدَّامِي لا يَحملُ هَمَّ مَوقف أو قضية؟!».
«يا لَيْلَهُ، أَتَغَارُ مِنِّي وأنتَ سفينتي؟!».
«ما جَدوى أنْ تُجَادِلَ جَاهِلاً يَرَى مَعْرِفَتَكَ لا تُساوي ثَمَنَ حِذائِه؟!».
«أَخْطَرُ مِن الكوكايين تَخديرُ الإِعلام الْمُضَلِّل».
«الحياةُ تحتَ سَقْفِ الخَوْف تُعادِلُ الموتَ تحتَ تأثيرِ لَدْغَةِ ثُعْبَان».
«في فِراشِ اليأسِ وَجَدُوا الحُلْمَ مُسْتَلْقِياً، فنامُوا».
«أَتَحَدَّاكَ أنْ تُجَرِّبَ الحياةَ بَعْدَ أنْ يُقَلِّمَ الزمنُ أصابِعَكَ وشِفاهَكَ».
بقلم: د. سعاد دَرير
copy short url   نسخ
05/07/2018
2875