+ A
A -
في ذلك الزمن الجميل، عندما كان لدينا ملوك حكماء ورؤساء هيبة كان هناك تناغم، وكانت إسرائيل تلهث كما الكلب تطلب ود القاهرة أو ود بغداد أو طرابلس أو الرباط. فعندما قررت إسرائيل تحويل مجرى نهر الأردن وأنقل هنا بالتفصيل وقائع مؤتمر القمة العربي الذي عقد بناء على طلب الرئيس جمال عبدالناصر الذي كان قد ألقى خطاباً في بورسعيد يوم 23 ديسمبر 1963 ـ كعادته كل سنة في ذكرى جلاء القوات التي شاركت في العدوان الثلاثي عام 1956 (عيد النصر) ـ طالب فيه بضرورة عقد اجتماع للرؤساء والملوك العرب لبحث التهديدات الإسرائيلية بتحويل مجرى مياه نهر الأردن. وقبل اجتماع القمة العربية اجتمع رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في القاهرة باستثناء ليبيا يوم الخميس 26 ديسمبر 1963 وقد دعت كل من سوريا والفدائيين الفلسطينيين لمنازلة أخرى بعد هزيمة حرب 1948، ولكن دولا عربية أخرى (بالذات مصر تحت حكم جمال عبد الناصر) رأت أنه لم يحن بعد لأي معركة أخرى، وبدلا من ذلك فقد اتفقوا على تكتيك حرب غير عسكرية لتحويل مياه نهر الأردن بحيث لا تستفيد منها إسرائيل وكان هذا أحد العوامل التي عجلت لحرب 1967.
وكان المحفز الرئيسي لهذا المؤتمر هو اقتراح إسرائيل بتحويل مياه بحيرة طبريا إليها. وفي ردة فعل على اتهامات سوريا المتكررة لمصر بترددها لعمل مواجهة عسكرية مع إسرائيل فقد أيد الرئيس المصري جمال عبد الناصر خطة عربية بتحويل مصدرين لنهر الأردن هما نهر الحاصباني وبانياس.
يوم الإثنين 16 يناير (أول رمضان 1383 هجري) تكلم الرئيس عبدالناصر قائلاً:
«إن حركة الجيش تحتاج لمال وإن موارد البلاد المطلة على إسرائيل محدودة ولكن لا تنقصها القوة والأفراد وما تحتاجه هو دعم مادي يمد الجيش بطاقته الحيوية وهي السلاح والعتاد والأجهزة المتطورة وتدريب أفراد قادرين وبناء حصون. وبما أن الدول التي أنعم الله عليها بنعمة البترول عدد سكانها قليل أو بعيدة عن جبهة القتال تستطيع أن تساهم بمبالغ مادية لدعم الصمود والمواجهة لهذا العدو الذي تدعمه أميركا والدول الغربية. فأرجو أن يكون وقع كلامي إلى هذه الدول وهي ثلاث السعودية والكويت وليبيا. أرجو أن تعرف وتعي خطورة الموقف وتساهم ولو بقليل من ميزانيتها السنوية لدعم المعركة الكبرى التي تخصنا جميعاً ونسمع آراءهم أو وجهة نظرهم،
وقف الملك سعود بن عبد العزيز وكان يعاني من شلل خفيف في يده اليمني وألقى كلمة قصيرة قال فيها:
«أنا مع الرئيس في تحمل هذه الدول بعض الجهد للمعركة ويكفي أنهم يضحون بالأرواح، والمال أقل بكثير من بذل النفس. ومن هذا المكان تعلن المملكة العربية السعودية تخصيص مبلغ 40 مليون دولار دعماً للمعركة». وضجت القاعة بالتصفيق. ثم جاء دور أمير الكويت عبد الله الصباح وكانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء فطلب عبدالناصر إرجاء كلمة الكويت إلا أن الأمير الصباح أصر على الكلام لدقائق معدودة قبل الإفطار وقال: «لقد خصصنا 15 مليون دولار دعماً للمعركة وهي معركتنا».
وانهالت القاعة بالتصفيق. اختتم عبدالناصر الجلسة راجياً للجميع إفطاراً شهياً. وأجلت كلمة ليبيا إلى اليوم التالي 17 يناير لتوضح أمرها بالنسبة للدعم. قبل الجلسة المقررة في اليوم التالي اتصل السيد الأمير الحسن الرضا هاتفياً بالملك إدريس في ليبيا وأعلمه بما تم في جلسة ذلك اليوم فرد عليه الملك إدريس قائلاً: «ندفع 55 مليونا..». في أول الجلسة النهائية سأل عبدالناصر السيد ولي العهد الحسن الرضا: «إيه أخبار ليبيا.. كيف حال صحة الملك؟» رد السيد الحسن الرضا قائلاً:
«أولاً الملك يبارك لكم الاجتماع ويدعو الله أن تكونوا أكثر قوة واتحاداً وعزماً وصلابة وأن تزداد المحبة بين الجميع، ويعلن أن ليبيا ستساهم في دعم القوة العربية بمبلغ 55 مليون دولار».
ضجت القاعة بالتصفيق، ولكى يضفي عبدالناصر مزيداً من المرح أمسك بحلمة أذنه وقال للسيد الحسن الرضا: «سمعني مرة تانيه» وقف السيد الحسن الرضا وفكيني وقالا في صوت واحد: «ستدفع ليبيا 55 مليون دولار بأمر مولانا الملك»... فتعالى التصفيق مرة أخرى، نعم ليبيا السنوسية تقدم أكبر دعم للمجهود الحربي، ويتآمر عليها الجيش في مصر الذي يبدو أنه لا يريد قوة مالية غرب مصر قد تشكل خطرا على حكمه،
ليبيا اليوم، التي اضاعت السنوسية في غفلة عربية توقف بيع النفط لوقوعها تحت القوة القاهرة بقيادة حفتر مدعومة بالقوة القاهرة في القاهرة التي لم تعد تفكر في قمة عربية تعيد الهيبة للأمة العربية تقدم العون للدول المحتاجة، والرياض أضاعت الحكمة التي تحلى بها الملك سعود بن عبد العزيز طيب الله ثراه، الكويت وحدها بقيت على مبادئ عبد الله السالم طيب الله ثراه.
هذا التاريخ يسجل، وسيسحل ويلعن من يمد يده للصهيونية العالمية التي تعيث فسادا في عالم كان اسمه العالم العربي.
كلمة مباحة
هانت فلسطين، وهانت العروبة ومن تهون عليه العروبة وفلسطين يخون وما أكثر من خانوا!!

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
03/07/2018
1429