+ A
A -
كان العربُ في الجاهلية أهل تشاؤم وطيرة، يُؤمنون بالنحس واللعنات، فلو قرضَ فأر ملابس إنسان اغتمَّ واهتمَّ فهذا عندهم نذير نقص في الأموال والأولاد، وإذا كثر نقيق الضفادع في مكان ارتحلوا عنه فهذا نذير الموت، وإذا عوت الذئاب في البراري فجاوبتها الكلاب في القرى فهذا نذير أن طبول الحرب تُقرع وأن مقتلة عظيمة ستحدث، وكان العربي إذا خرج من بيته فرأى حصاناً أعور عاد أدراجه فأي يوم هذا الذي يبدأ بحصان أعور، وإذا رأى حذاءً مقلوبا وكان على وشك إبرام صفقة تجارية أمسك عنها لأنه يؤمن أن المكتوب باين من عنوانه، وستكون صفقة تجارية مقلوبة!
وقد كنتُ أحسبُ أن التشاؤم قديماً كان فينا معشر العرب وحدنا دوناً عن العالمين، ولكن عندما قرأتُ كتاب الأساطير الرومانية واليونانية لأمين سلامة، اكتشفتُ أن العبط والاستهبال كان سمة مشتركة بين جميع سكان هذا الكوكب وقتذاك!
وهذا لا يعني بالطبع أن البشر كفوا عن العبط والاستهبال، فما يجنيه العرافون والمنجمون والدجالون من الناس السذج في بلادنا لو جُمع لفاق ميزانية دولة محترمة! وعلى سيرة الدول المحترمة فإن الأوروبيين ينفقون أموالاً طائلة أيضاً على الكهانة والعرافة والحُجب والكتب، ولديهم معتقدات غريبة لا تتناسب مع وضع القارة العلمي والحضاري، تخيلوا مثلاً أن في إيطاليا قرية لا يلفظ أحد من أبنائها اسمها لأن جميع سكان القرية يؤمنون أن من يتلفظ به من سكانها ستصيبه لعنة! وفي النمسا لا يشيرون بأصابعهم إلى قوس قزح لأن من يشير إليه يخرج له بثور وثآليل في إصبعه!
إلى هنا الأمر يسير، شعوب كثيرة لا بأس أن يؤمن عوامها ببعض الخزعبلات، أما أن تتحدث الصحف الأوروبية، وتردد معها الصحف العالمية نشوء ظاهرة «لعنة البطل» في كأس العالم! فهذا يعني أن البشرية بلغت من الحماقة مبلغاً! ولعنة البطل باختصار هي أن حامل اللقب يخرج من الدور الأول في النسخة القادمة! ففي العام 1998 فازت فرنسا باللقب، ثم خرجت من الدور الأول عام 2002! في العام 2006 فازت إيطاليا باللقب ثم خرجت من الدور الأول عام 2010! وفي العام 2010 فازت إسبانيا باللقب ثم خرجت من الدور الأول عام 2014! وها هو الأمر يتكرر واللعنة تحل مجددا، ألمانيا فازت باللقب عام 2014 ثم ها هي تخرج من الدور عام 2018!
تكرر بعض الأشياء لا يعني أنه بالإمكان بناء نظرية وفقها، فكيف ببناء خرافة، ورداً على لعنة البطل هذه، فإن الأبطال قديما لم يكونوا يخرجون من الدور الأول على عكس ما يحدث في النسخ الأخيرة، ورداً على من يقول إنها لعنة حديثة فإن البرازيل فازت باللقب عام 2002 ولم تخرج من الدور الأول عام 2006!
إحدى مشاكل هذه البشرية أنك تحتاج طاقة جبارة لتقنع شخصاً واحداً بالحقيقة، ولكن الأمر لا يكلفك شيئاً لإقناع آلاف بخرافة ما! عموماً دوما كان أتباع الأنبياء هم القلة وأتباع العبط والاستهبال والخرافات هم الكثرة، الأمر ليس جديداً!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
01/07/2018
2815