+ A
A -
أثناء رئاسته لجمهورية البوسنة، حضر فخامة المفكر علي عزت بيغوفيتش إلى صلاة الجمعة متأخراً، فأوسعَ الناسُ له الطريق ليصِلَ إلى الصَّف الأول
فقال لهم: هكذا تصنعون طواغيتكم!
عظيمٌ هو بيغوفيتش أراد أن يكون له شعب لا قطيع!
والأعظم من الرئيس الذي يريدُ شعباً، هو الشَّعبُ الذي يرفضُ أن يكون قطيعاً!
فمرحى لكم شعب تركيا العظيم
مرحى لكم لا لأنكم انتخبتم أردوغان وتركتم غيره، كنتُ سأقول لكم مرحى أيضاً لو تركتم أردوغان وانتخبتم غيره!
الفكرة ليس بشخص من يحكم، وإنما بعقلية الشعب الذي يُحكم، الشعب الواعي والمتحضر الذي أفشل الانقلاب العسكري، ووقف بصدره العاري في وجه الدبابات في شوارع أنقرة واسطنبول يحمي شرعيته ومؤسساته لا الشخص الذي يمثل الشرعية ويدير المؤسسات هو شعب رائع، والشعب الذي رفض أن يُصادر حقه في اختيار حاكمه بغض النظر عن شخص هذا الحاكم شعب تُرفع له القبعة احتراماً، ويستحق أن يكون حيث هو اليوم! والرئيس الذي يملك من الجرأة ما يكفي أن يتنازل عن سنة ونصف من حكمه ويعطي شعبه فرصة مبكرة أن يعاقبوه في صناديق الاقتراع، أو يعيدوا اختياره هو إنسان محترم، اتفقنا معه في السياسة أو اختلفنا!
الاختلاف مع أردوغان حرية تفكير وتعبير، لكل إنسان الحق في أن يتفق أو يختلف مع من شاء! وأنا من الذين يختليفون معه في قضايا كثيرة، ويتفقون معه في قضايا كثيرة أيضاً! أردوغان لم يطرح نفسه يوماً خليفةً وأميراً للمؤمنين كما يتصوره المغالون في حبه، على العكس تماماً طالما طرح رؤيته للدولة المدنية بغض النظر عن خلفيته وخلفية حزبه الإسلامية! بالمقابل أردوغان لم يكن يوماً ديكتاتوراً كما يصوره مبغضوه الذين يرزحون تحت نير ديكتاتورياتنا العربية! من المضحك أن تجد الذين وضعوا أحذية العسكر على رؤوسهم في انقلاب مصر ينتقدون اختيار الأتراك في إعادة انتخاب أردوغان، الشعب الذي رفض أن يكون قطيعاً من المعيب أن ينتقده القطيع على اختياراته لأنها لم تعجبه! والشعوب التي يتوارثها حكامها فلا تملك إلا أن تُبايع حاكمها الذي لم تختره قبل أن تدفن حاكمها الذي لم تختره أيضاً عليها أن تستر على نفسها وتسكت، لا أن تنتقد خيارات شعب آخر، على الأقل هذا شعب يملك أن يختار!
بدل أن ننزعج من جمال الآخرين لأنهم يُذكروننا بقبحنا، فلنحاول أن نكون مثلهم على الأقل!
إن انتقاد خيار شعب لا يجعلنا شعباً قادراً على الاختيار نحن شعوب قادرة على الكلام فقط وفق ضوابط السلطة!
وانتقاد حاكم جاء به شعبه عن طريق الاقتراع لا يجعل حكامنا خلفاء راشدين!
وإن انتقاد اردوغان لأنه من الإخوان فقط ليست عملية انتقاد وتفكير بقدر ما هي عملية تطبيل! وإذا كان فكر الإخوان السياسي أن ينقل البلاد التي يتولى حكمها النقلة التي نقلها أردوغان لتركيا على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري والحضاري والإنمائي فعسى رؤساءنا جميعاً يصبحون من الإخوان!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/06/2018
6702