+ A
A -
كل مرة يقترب رمضان، أذكر والدتي رحمها الله.
هناك علاقة خفيّة بينهما، ربما لأن كليهما كريم ودافئ وعمره قصير!
وربما لأن والدتي - رحمها الله- ككل الأمهات قديمًا جيدات في صناعة الطقوس والأجواء الخاصة لكل شيء. من منا لم يرتبط رمضان في ذاكرته بصوت والدته في آناء الليل ترتل قرآنا؟ مازلت أذكر والدتي وهي تجهز المصاحف على الرفوف لاستقبال صديقاتها كل صباح للمشاركة في ختم القرآن. وما زلت أذكر أول رمضان بعد وفاتها عندما وقف بعض المعوزين على بابها، ينتظرون نصيبهم السنوي مما تجود به، وهم لا يعرفون أنها رحلت لله. استعدادها لسفرة رمضان الخاصة، الأطعمة الشعبية التي لا يجيدها أحد كما تفعل، أو هكذا يرى كل منا في طعام والدته. والتي لا تنسى الجيران من حصتهم فيه. ليالي القدر التي يطفئ بها التلفاز ويتفرغ أفراد العائلة للعبادة. الزيارات العائلية التي تكتظ بها المنزل، والتي تقوم هي بها لقريباتها الأكبر سنا. لن أسرد أكثر مظاهر رمضان في بيت أمي، سأترك كل منا يفكر برمضان ما قبل خمسة عشر عامًا على الأقل، كيف كان يأتي محملاً بالتسامح والمغفرة والتواصل والصلاة والقرآن والكرم والشعور بالآخرين، وتقديم المساعدات وإن كانت يسيرة.
قبل أسبوع تقريبًا، وأنا غارقة في أعمالي وشؤوني، تمت إضافتي في قروب بشكل مفاجئ، عنوانه يحمل تلميحًا لأطباق رمضان. كنت قد نسيت الأيام والتقويم في غمرة زحامي، عرفتُ أن رمضان اقترب حين تمت إضافتي في القروب!
انتبهتُ بعدها للتغير الكبير من حولي، الاعلانات، التليفزيون، الانستغرام، وبرامج التواصل كافة، وحديث الصديقات. كل ما حولي أصبح يضج برائحة الطعام!
هكذا تمّ اختزال رمضان! في مائدة طعام وحسب. متى حدث التغيير؟ متى انزاح المصحف والتهجد والدعاء والزهد وصلة الأرحام، وحل محلها طبق فاخر؟ لا أحد يدري بالضبط متى حدث، لكنه حدث بلا شك. من المسؤول؟
لا يمكننا أن نشير باصبع الاتهام لجهة محددة، إنها شراكة بالتساوي ما بين الإعلام التجاري وبين إرادتنا الضعيفة. تكاسلنا تجاه ما نحمل من قيم. مسؤولية الآباء الجدد أيضا، الأم الصغيرة التي انساقت وراء الإعلام وجعلت من رمضان مجرد «طبخة». فلتفكر فقط بصغارها، بماذا سيتذكرون رمضان حينما يكبرون؟ مسلسل تليفزيوني وطبخة!
أليس كذلك؟.

بقلم : كوثر الأربش
copy short url   نسخ
02/06/2016
2607