+ A
A -
وقعتُ البارحة على صورة طريفة، هي عبارة عن إعلان في مجلة أميركية يعود إلى العام 1930م، صاحب هذا الإعلان مركز لمساعدة النساء على اكتساب الوزن الزائد، وفي الإعلان صورة لامرأة نحيفة مكتوب تحتها:
سيدتي لا تكوني جلدة وعظمة!
تخيلوا أنه منذ أقل من مائة عام كانت السُمنة في النساء من معايير الجمال، والنحافة المطلوبة اليوم كانتْ في ذلك الوقت قبحاً وسُبة!
والعربُ والغربُ في هذا سواء، ففي أخبار العرب أنهم كانوا يتعوّذون من المرأة النحيفة الزلاء قليلة الشحم! ومن دعائهم يومذاك: أعوذ بالله من زلاء ضاوية كأنَّ ثوبيها قد عُلِّقا على عود!
وكانت العربُ ترى البدانة في المرأة من معايير الجمال، وكانت تصف المرأة البدينة بخرساء الأساور، لأن الأساور تكون في يديها محشورة لا تخشخشُ ولا تصدرُ صوتاً، على عكس الضجة التي تُحدثها الأساور في أيدي النحيفات!
ثم لماذا نتوغل في التاريخ عميقاً، منذ سنوات قليلة كانت الموضة في حواجب النساء أن تكون رفيعة، وكانت المرأة مستعدة أن ترتكب جناية بمن يخبرها أن حواجبها عريضة، ثم ها نحن اليوم نرى الآية قد انقلبت، وولّت موضة الحواجب الرفيعة لتحل مكانها موضة الحواجب العريضة!
كانت السُمنة من عناصر الجمال والأنوثة، ثم صارت اليوم من نواقضها! وكانت الحواجب الرفيعة مطلباً للنساء ثم اليوم يهربن منها كما كان العربي يهرب من الأرض التي يقع بها الطاعون!
معايير الجمال تتقلب وتتبدل كما ترون ولكن ثمة صفات في النساء وفي الرجال أيضاً لا يمكن أن تصبح موضة، ولا يستطيع الزمن أن يطويها، هي مطلب في كل عصر، ومستحضر تجميل لا غنى عنه!
العربي إذ كان يهوى المرأة البدينة، فهذا لا يعني أنه كان زاهداً في أخلاق المرأة، وحنانها، وكرمها، وثقافتها، وحلو كلامها، واليوم إذ يهوى الرجال النحيفات من النساء فهذا لا يعني أنه إذا قلَّ وزن المرأة فهذا يشفع لها إن قلت أخلاقها! وكذلك معايير الجمال في الرجال، فالنساء قديماً لم يكن يستهويهن الرجل الذي تكون معدته ست قطع، كما هو الحال اليوم، ولكن المرأة أيضاً تريد في الرجال أشياء غير أن تكون معداتهم مقطعة أو كروشهم مدلاة أمامهم، الرجل الشهم، الكريم، حسن العشرة، طيب الأخلاق، حلو الحديث، مطلب مهما بدا شكله!
طبعاً لا يُفهم من كلامي أني أقول للنساء لا تكترثن بمعايير الجمال الحديثة ولتكن إحداكن بدينة كيفما شاءت.. ولا أقول للرجال احملوا كروشكم أمامكم! على العكس، إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش خارج العصر الذي وُلد فيه، كل ما أريد قوله، أن ثمة صفات تجعلنا جميلين غير أوزاننا وحواجبنا ومعداتنا المقطعة، هذه الصفات هي التي تجعل منا بشراً حقيقيين، فالجمال مهما كان خارقاً ما يلبث أن يصير مألوفاً، وكم من حسناء نفر منها زوجها، وكم من وسيم لا تطيق زوجته النظر في وجهه، تجمّلوا مهما استطعتم، انحفوا، تزينوا، تعطروا، ولكن كونوا قبل هذا بشراً حقيقيين، وتمسكوا بالذي يبقى!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
19/06/2018
4066