+ A
A -
الأردن دولة عربية صغيرة من حيث المساحة، وربما من حيث عدد السكان أيضا، لكنها بالغة الأهمية بالنسبة للعالم العربي كله من المنظورين التاريخي والجيوستراتيجي. فمن المنظور التاريخي، ينبغي ألا ننسى أبدا أن الأسرة المالكة في الأردن هي آخر ما تبقى من الأسرة الهاشمية ذات التاريخ المتجذر في قلب السياسة العربية. فقد حكم الآباء المؤسسون لهذه الأسرة أجزاء مختلفة من الحجاز لفترة اقتربت من ألف عام (967-1925م).
وظلت تسيطر مكة المكرمة لأكثر من 700 سنة متواصلة (1201-1925م)، وتولت حكم إمارة شرق الأردن منذ تاسيس هذه الإمارة عام 1921 حتى الآن, كما تولت الحكم في سوريا لعدة أشهر فقط عام 1920، وفي العراق لأكثر من 38 عاما (1920-1958م)..الخ. أما على الصعيد الجيوستراتيجي فالأردن هو البلد العربي الوحيد الذي يملك أطول حدود مع أهم دولتين في المنطقة حاليا وهما: إسرائيل، من ناحية، والمملكة العربية السعودية، من ناحية أخرى. فحدود الأردن مع إسرائيل بلغ طولها، قبل حرب 67، 238 كم (وتبلغ مع الضفة الغربية التي تتمتع الآن بوضع سياسي خاص 97 كم)، أما حدوده مع السعودية فيبلغ طولها 744كم. ولأن العلاقات المتنامية منذ فترة ليست بالقصيرة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تلقي بظلالها على مصير المنطقة برمتها، فقد وجد الأردن نفسه فجأة محشورا بين مطرقة مطالب إسرائيلية وسعودية متناغمة، من ناحية، وسندان ضغوط محلية متنامية، من ناحية أخرى.
تناغم المطالب السعودية والإسرائيلية أمر قد يبدو غريبا بالنسبة للبعض، خصوصا إذا نظرنا إليه من منظور وطني أو قومي أو ديني، لكن العداء المشترك لإيران أحال هذا التناغم إلى حقيقة قائمة لا يتردد البعض في تبريرها، من منظور الواقعية السياسية على الأقل. فإسرائيل تسعى بكل ما أوتيت من قوة في المرحلة الحالية لتصفية القضية الفلسطينية، تمهيدا لإعلان الانتصار النهائي لمشروعها الصهيوني للهيمنة على المنطقة، لكنها تدرك في الوقت نفسه استحالة تحقيق هذا الهدف الطموح قبل القضاء أولا على محور المقاومة الذي تقوده إيران (بالتحالف مع كل من النظام السوري وحزب الله والمقاومة الفلسطينية المسلحة)، أما السعودية فتسعى حاليا، وبكل ما أوتيت من قوة أيضا لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي بات يشكل تهديدا وجوديا لها، من وجهة نظر حكامها على الأقل، لكنها تدرك في الوقت نفسه أنها لن تستطيع مواجهة هذا التهديد بمفردها، الأمر الذي يدفعها إلى أو يغريها بالتقارب مع إسرائيل من منطلق أن عدو عدوي يمكن أن يكون ليس فقط صديقي وإنما حليفي أيضا إذا اقتضت الضرورة!!.
تلك هي الخلفية السياسية التي ينبغي استحضارها في الذاكرة إذا ما أردنا فهم دلالات الأحدات التي اندلعت مؤخرا في الأردن، أو بمناسبتها. فهذه الأحداث، والتي ذكرت الجميع بأن قوة «الربيع العربي» ما تزال كامنة وقادرة على الانفجار في وجه الجميع مرة أخرى، أجبرت كافة الأطراف المعنية بالصراع العربي- الإسرائيلي وبمواجهة إيران في الوقت نفسه على إعادة حساباتها والتصرف على ضوء مخاطرها المحتملة. ويبدو أن الأطراف الإقليمية التي لم تكن تتردد من قبل في ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على الأردن، بنت حساباتها على أساس أن هذه الضغوط ستجبر العاهل الأردني في النهاية على الهرولة نحوهم راكعا بعد إبداء الاستعداد لتقديم التنازلات المطلوبة. غير أن تطورات الأحداث أكدت أنه فضل اختيار طريق آخر، وأثبت أنه يملك أوراقا أقوى بكثير مما يملك الخصوم القدامي والجدد، الأمر الذي يفسر قراره بتفجير قنبلة في وجه الجميع حين كشف عن أن بعض الدول المجاورة في المنطقة قالت له بوضوح «امشوا معنا في موضوع القدس حتى يصبح بإمكاننا الوقوف بجانبكم ومساعدتكم...». حينئذ فقط أدركت القوى الضاغطة على الأردن أن الملك لديه هامش من الحركة أكبر مما كانوا يتصورون وبدأوا يتحسبون لفكرة أن بمقدوره قلب الطاولة على رؤوسهم إن شاء، خصوصا إذا اختار الانفتاح على «محور المقاومة»، وهو ما قد يفسر سرعة انعقاد «قمة مكة الرباعية» وتعهد كل من السعودية والإمارات والكويت بتقديم مساعدات للأردن تبلغ 2500 مليون دولار.
لكن ما الذي تعهد به العاهل الأردني في المقابل؟ الأيام والأسابيع وربما الشهور القادمة هي وحدها الكفيلة بكشف المستور.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
14/06/2018
2223