+ A
A -

مرت الذكرى الـ51 على هزيمة يونيو 1967 الأليمة، ففي صبيحة يوم 6/5 من ذلك العام، شنت إسرائيل هجومها المباغت على قوات ثلاث دول عربية، لتدمرها، وتلحق بها هزيمة فادحة، وتحتل أراض واسعة تعادل 3 مرات حجمها.
كانت هزيمة فريدة من نوعها: دول تهزم دون قتال، وجيوش تسحق دون أن تحارب، وعلى كافة المستويات السياسية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بل لعلها أكبر هزيمة في تاريخ العرب.
كانت هزيمة للنظام العربي كله: هزيمة لشعاراته الرنانة، ونظمه المتسلطة، كانت هزيمة لأيدلوجيته القومية الضيقة، ونمطه التربوي الإقصائي، ونظامه الاجتماعي المتعصب، كانت هزيمة ساحقة لكل الأدبيات والأناشيد التي تغنت بالزعيم البطل، محرر العرب وصانع المعجزات، كانت سقوطاً مذلاً للإعلام العربي، ممثلا بـ صوت العرب التي كانت تزيف الحقائق وتغذي الجماهير بالأوهام والأحلام، كانت هزيمة للفكر العربي، الذي رثاه نزار: أنعي لكم الفكر الذي قاد إلى الهزيمة.
انهار جبل ضخم من الشعارات الزائفة، وسقط ركام هائل من الأيدلوجيات الخادعة التي عاش عليها العرب، دهراً، في ظل الحاكم الوطني الذي قدم على ظهر دبابة، ليطرد المستعمر الأجنبي، ويوحد أمة العرب، ويرمي إسرائيل في البحر، ويحرر فلسطين، ويسترد القدس كما فعل صلاح الدين، ويحقق نهضة العرب المنشودة.
هزيمة أمة العرب، لم تكن بدعاً بين الأمم، فقد هزمت أمم في الشرق والغرب، بأشد منا، ألمانيا النازية سحقت تحت أقدام المنتصرين، واليابان الإمبراطوري محقت بقنبلتين نوويتين في هيروشيما ونجازاكي، واستسلمت الدولتان استسلاماً مذلا، لكن الدولتين استوعبتا دروس الهزيمة جيدا، ونهضتا سريعاً، وتجاوزتا أسباب الفشل، وقامتا بإجراء عمليات قطيعة جذرية مع أيدلوجية وفكر الهزيمة، عكفت ألمانيا على دراسة الأسباب التي أدت إلى انتشار الايدلوجية النازية، ووصول هتلر إلى السلطة، واكتشفت أن منابع الثقافة الألمانية بأسرها، مسمومة، لوثت عقول الشباب الألماني، وكان لا بد أن تسفر عن ظهور هتلر وانفراده بالسلطة، ولذلك ضربوا بمثل هذا التراث عرض الحائط، ومثلما فعلت ألمانيا، فعلت اليابان التي رمت التراث الإمبراطوري وراء ظهرها، لتبدأ بداية مختلفة، لم تتوقف الدولتان لتعلقان المسؤولية على شماعة المؤامرة والخيانة، وإنما اعترفتا بالأخطاء، وراجعتا الأسباب الحقيقية، وتجاوزتا فكر الهزيمة إلى فكر التقدم والنهضة.
أما العرب، فلم يعترفوا بالأسباب الحقيقية للهزيمة: الجهل بالعدو، الجهل بالموازين الدولية، الصراعات الداخلية، تجربة التأميم التي أدت إلى هروب الكفاءات والاستثمارات، الصراعات البينية العربية، تقديم أصحاب الولاءات على الكفاءات، الانفراد بالقرار- ولكن لا هزيمة 67 ولا الهزائم بعدها، غيرت العقلية العربية التي راوغت، كعادتها، وسمت الهزيمة نكسة ولم تعترف بالحقائق المريرة، ورمتها على المؤامرة والخيانة، ولم تستخلص الدروس والعبر.
وإذا استثنينا انتصار أكتوبر الذي شكل إنجازاً عربياً استثنائياً، فإن مسيرة الفشل والإخفاق استمرت، والنكبات والهزائم الموجعة تكررت، على يد صدام في سياساته التي أدت إلى العدوان على الكويت وتدمير العراق، وحزب الله في مغامرته غير المحسوبة التي أدت إلى تدمير لبنان، وجنون القذافي الذي مزّق ليبيا وفرقها شيعاً متحاربة، وثورات الربيع التي أجهضت، وإلى اليوم!
لم نتعلم من دروس الهزيمة: لا من هزيمة 67، ولا الهزائم بعدها: لا زال إعلامنا يزرع الأوهام، وتعليمنا يجتر الماضي، وخطابنا الدعوي يتوجس من الآخر، يدعو عليه، ونظامنا السياسي يعتمد القبلية والطائفية، المواطنة منتقصة، والحريات مقيدة، والأقليات في قلق، لم نتعلم من دروس الهزيمة، كما فعل الآخرون، لا زلنا ننكر مسؤوليتنا عن أوضاعنا المتردية، ونحملها شياطين الأرض، بأسنا بيننا شديد، أصحاب الكفاءات مبعدون، وأصحاب الولاء مقربون، الفساد يعربد وشبابنا محبط: فريق يركب البحر هروباً إلى عالم الآخر، وفريق يفجر نفسه فراراً إلى العالم الآخر، آلاف مشردون، وآلاف مهجرون، وآلاف نازحون، ومليارات مهدرة، صوت العقلانية مغيب، وخطاب الكراهية والتطرف متسيد.
ختاماً: يصادف يوم الهزيمة، يوم بداية الأزمة الخليجية، وقد مرت سنة، والأزمة مستمرة، وبعد أن كان الخليج الذي قال عنه عبدالله بشارة، يوماً، هو الجزء الصحي السليم، في الجسم العربي العليل، أصابته عدوى الفرقة، عسى المولى تعالى يأتي بالفرج.
بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
11/06/2018
2896