+ A
A -
في حادثة غير مسبوقة في آليات العمل الحكومي وأدواته المنظّمة له يقوم وكيل وزارة بنفي معلومة تحدث عنها الوزير وشرح مبرراتها وتطرق لأسبابها، كما أكدها المدير المختص ووضّح أهدافها وهي بالفعل قد تم تفعيلها وتطبيقها منذ سنتين وأكدها المواطنون والمواطنات الباحثون عن فرص عمل.
ويبدو أن الوكيل الذي صمت دهراً ثم نطق بتصريح غير دقيق ومخالف للواقع أراد «أن يكحلها فأعماها»، في محاولة منه لتخفيف الاحتقان المتزايد وكبح الدخان المتصاعد لتوابع هذا القرار الذي صدم الباحثين عن العمل وجعلهم في حيرة من أمرهم، إما بقبول ما يعرض عليهم من وظائف وإن كانت غير مناسبة لهم أو يتم معاقبتهم بالانتظار الطويل!
وما حدث في الأيام الأخيرة داخل أروقة وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية لا علاقة له بالتخطيط النظامي وهو أشبه بالتخبط الإداري وعدم التنسيق، نتيجة ما شاهدناه جميعا من تناقضات في التصريحات واختلاف في التبريرات، مما زاد من حالة الجدل والضبابية لدى الجمهور.
ففي الوقت الذي انتظر فيه الكثير من الموظفين القطريين أية تصريحات تخرج من قيادات وزارة التنمية الإدارية تعقيبا على ما نشرته الوطن حول تمسك الوزارة بقرار مرور سنة على استقالة أي موظف كشرط لإعادة ترشيحه لوظيفة جديدة، جاء الحوار الذي أدلى به سعادة السيد وكيل وزارة العمل للزميلة الراية والذي نفى وجود القرار ثم عاد وقال في نفس الحوار إن من يتقدم باستقالته سيكون عليه الانتظار قليلا ولن تكون له الأولوية في التوظيف، حيث جاءت تصريحاته مناقضة للتصريحات التي أدلى بها سعادة وزير التنمية الإدارية لـ الوطن، ونشرتها الصحف القطرية كلها بلا استثناء يوم العشرين من مارس الماضي، والتي أكد من خلالها أهداف وأسباب القرار المتعلق بمنع أي موظف قطري يستقيل من الترشح لوظيفة جديدة قبل مرور عام على الاستقالة، لتؤكد وزارة التنمية الإدارية من جديد أنها لم تحسن حتى اللحظة التعامل مع القضية ولم تدرك حالة الاستياء نتيجة هذا القرار الذي يرى فيه البعض تحجيما لطموحات ورغبات الموظفين في اختيار ما يناسب تطلعاتهم، بدليل امتلاء صفحات الوزارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي برسائل وتغريدات وتعليقات جادة وحادة كتبها ناشطون يوضحون عجز الوزارة في التعامل مع احتياجاتهم ومع تعاطيها البطيء والسلبي مع أزمة القرار الخاص بشرط مرور سنة على الاستقالة!
والغريب حقا أن الوزارة أخذت هذا القرار ولكنها لا ترغب في نشره وهذا ما أزعج سعادة الوزير يوم نشر الخبر،
وطالب بالرد والتوضيح، ونشرت الوطن في اليوم التالي بيان الوزارة بمساحة كبيرة من باب إتاحة الفرصة لتوضيح موقفها.
ونقول لسعادة الوزير إن الوطن لم تستفز الناس، كما ذكرت، فهي ليست صاحبة قرار «عام على الاستقالة» ولم تضرب أحدا على يده من المغردين أو الناشطين ليعلق سلباً أو إيجاباً على القرار.. إنما نقلت كلامك حرفيا ونقلت كلام مدير التنمية البشرية للزميل العزيز حسن الساعي، بعد يوم من نشر الخبر في الوطن، والذي أكد في حساب الساعي على تويتر أن هذا القرار قديم وله سنتان!!
وبالتالي كان أمامكما في وزارة التنمية خياران من باب الشفافية والموضوعية في التعامل مع الإعلام والجمهور، إما أن تتم دراسة القرار مجددا مصحوبا بردود الأفعال وتعديل ما يلزم منه أو التمسك به وإقناع الرأي العام بجدواه،
لكن اختياركم كان غريبا وعجيبا وهو نفي الخبر ورفض الاعتراف بوجوده من أساسه، متهمين وسائل التواصل الاجتماعي بعدم التحري في نقل الأخبار.. وصاحب هذا «الشور» لم ينتبه لتصريحات الوزير في مارس وفاتته تغريدات مدير التنمية البشرية في حساب الساعي قبل أيام.. ويكفيه أن يقرأ ردود الناس في حساب الوزارة أو الناشطين في تويتر، وأنا بدوري سأذكّره بهذه الحادثة بأني قد ذهبت لمكتب الوزير قبل سنة ونصف وقابلته شخصيا بأسلوب الطيب والودود وشرحت له أن المواطنة (ع.س.ع) قد وضعت في قائمة الحظر، ولا يحق لها التقدم إلا بعد مرور عام وذلك لأنها رفضت فرصة عمل في مستشفى رأت أنها لا تناسب طبيعتها أو تطلعاتها باعتبارها وظيفة بنظام «الأشفات» وهي لديها أطفال وتحتاج متابعتهم ورعايتهم وهذا النظام لا يخدمها (لاحظ رفضت فرصة عمل وليست استقالة من وظيفة)، وقام سعادته مشكورا بتوجيه مدير مكتبه برفع الحظر عنها!
كما أن المواطن (ج.س.م) قدم استقالته من شركة الحفر التابعة لقطر للبترول وطلبوا منه الانتظار سنة.. وبعد مرور عشرة أشهر رفعوا الحظر عنه، تعاطفا معه!
الوطن ترصد من خلال التقرير التالي حجم الموضوع وبداياته وتداعياته، لتسليط الضوء بشكل مهني ومحايد على هذه القضية التي لم تحسن الوزارة التعامل مع أحداثها.. وعملت من «الحبة قبة» على رأي المثل المصري.. وكان بإمكانها التعامل بهدوء وموضوعية بدلا من المكابرة ونفي شيء موجود وقائم.

البداية

البداية كانت من تلقي الوطن شكاوى عديدة من القرار الخاص بمرور سنة على الاستقالة وبعدها حدث أن دعا سعادة الوزير الدكتور عيسى بن سعد الجفالي النعيمي لمؤتمر صحفي في العشرين من مارس الماضي للإعلان عن تفاصيل إطلاق الوزارة لبرنامج إلكتروني لتوظيف المواطنين الباحثين عن عمل ووجدت الوطن في المؤتمر فرصة لطرح شكاوى واستفسارات المواطنين بشأن هذا الشرط فتوجهت بالسؤال إلى سعادة وزير التنمية الإدارية شخصيا والذي أجاب قائلا بالحرف الواحد: المقصود من ذلك القرار هو منع التنقل الوظيفي غير المبرر، فليس من المعقول أن يعمل المواطن في وزارة ما لمدة ثلاثة أعوام ثم يستقيل رغبة منه للعمل في وظيفة أخرى. فهذا يثقل أعباء جهات العمل، ولمواجهة هذا الأمر نحث الشباب القطري على أهمية أن يكون لكل موظف انتماء لجهة العمل التي يعمل فيها، لان فتح الباب أمام الانتقال غير المبرر بين الوظائف يؤدي إلى هدر كبير في جهات العمل، وفي الموارد البشرية الموجودة لدينا والى هدر للخبرات التراكمية التي اكتسبها الموظف من وظيفته السابقة، ومن البرامج التدريبية التي تكفلت بها الدولة ووفرتها له، وقال إن هناك حاجة لانخراط الشباب في مختلف التخصصات ويكتسبون الخبرات الكاملة فيها.. وهكذا تم نشر تلك التصريحات في كل الصحف القطرية في اليوم التالي مباشرة، ولم تعلق الوزارة على تلك الأخبار من قريب أو بعيد بل توجهت بالشكر للصحف على تغطيتها للحدث الأهم بالنسبة لكل الباحثين عن عمل بلا استثناء.
بعد ذلك المؤتمر تم فتح باب التسجيل في البرنامج الذي دشنته وزارة العمل وكان ذلك في الأول من إبريل الماضي وشكا عدد من الموظفين الذين تقدموا باستقالاتهم انهم فوجئوا عند تقدمهم للتسجيل في برنامج التوظيف الجديد الذي اطلقته وزارة العمل أن الوزارة ترفض تسجيلهم قبل مرور عام كامل على الاستقالة وعلى الفور قامت الوطن بالتواصل مع كبار المسؤولين في الوزارة والذين أكدوا الخبر ورغم حصول الوطن على هذا التصريح إلا أنها لم تنشر حتى طرحت السؤال على المسؤول عن إدارة تنمية الموارد البشرية الوطنية الأستاذ عبد العزيز حسن، والذي أكد الخبر بدوره، ورغم ذلك تريثنا في النشر، عسى أن تكون استفساراتنا قد أكدت للمسؤولين في وزارة العمل وجود استياء لدى شريحة من الموظفين الذين قدموا استقالاتهم، وأنهم معرضون للضغط في حال استمرارهم لمدة عام بدون وظيفة.. لكن الوطن رصدت الموضوع بعد قيام عدد من الموظفين المستقيلين ببث شكاواهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان لابد أن تتحرك الوطن وتنقل ردود الأفعال للمسؤولين ليدافعوا أكثر عن القرار ويقنعوا الجمهور بجدواه لكن الوزارة عجزت عن التعاطي بشكل مثالي مع وسائل الإعلام وخرج مدير إدارة تنمية الموارد البشرية بتصريحات للزميل حسن الساعي عبر حسابه في تويتر قال فيها:
«القرار يتم تطبيقه منذ سنتين وليس إجراء جديدا وتم توضيح ذلك سلفاً، مشيرا إلى أن الموظف قبل اتخاذ قرار تقديم الاستقالة يجب ان يضمن عرضا وظيفيا افضل ومناسبا من جهة اخرى أو له الحق في الانتقال من وزارة إلى وزارة بموافقة الطرفين بموجب القانون»، وللأسف لم يوضح مدير إدارة تنمية الموارد البشرية سبب اتخاذ القرار أو التمسك به وهو مربط الفرس وحتى عندما اتصلوا بـ الوطن طالبين نشر توضيح للخبر رحبت الوطن وخصصت صفحة كاملة لبيان صادر عن الوزارة للرد على ما نشرته الوطن، ولم يوضح البيان الطويل سبب صدور القرار ولم يوضحوا سبب التمسك به كما لم ينفوه بشكل قاطع ليستمر الغموض والضبابية وعدم وضوح الرؤية في تعامل وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية مع الأمور التي تخص المواطنين والمواطنات الذين من حقهم معرفة ما يدور حولهم من أمور وظائفهم وخصائصها وشروطها بكل شفافية خاصة في وزارة تهم ما يقرب من السبعين ألف مواطن هم الموظفون في الجهات الحكومية التي تخضع لقانون الموارد البشرية، والمتابع لموضوع قرار مرور سنة على الاستقالة سيكتشف ان الوزارة صنعت كل شيء إلا أنها لم تفسر القرار أو حتى تطرح رؤية لإمكانية مناقشته من جديد، فهم قد اكتفوا بنشر الخبر ثم الاعتراف به ثم نفيه للتخفيف من حالة الانزعاج وحدة الاحتقان.

غياب الشفافية

والحقيقة فإن التعاطي البطيء من قبل الوزارة لم يكن في مسألة قرار مرور سنة على الاستقالة فحسب، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي يطالب فيه الخبراء بضرورة الاستفادة من المتقاعدين القطريين ودراسة توظيفهم من جديد في مختلف الجهات الحكومية كان لوزارة العمل رأي آخر حيث رفضت تسجيل أي متقاعد في برنامج التوظيف الجديد حتى ولو بشروط مختلفة عن الموظف العادي ورغم الشكاوى العديدة التي طرحها المتقاعدون فإن الوزارة تجاهلت الأمر تماما وكأنه لا يعنيها والغريب انها دائماً تصرح أنها جهة ترشيح للوظيفة وليست جهة توظيف في الوقت الذي تلزم فيه كل الجهات الحكومية بعدم الإعلان عن شواغرها إلا من خلال الوزارة نفسها.
طبعا عدا ملف الضمان الاجتماعي ورواتب كبار السن والعجزة والتي قطعت بعضها مؤخرا لأسباب غير وجيهة ولا تراعي ظروف غلاء المعيشة والالتزامات المادية.

كل ما سبق يؤكد أن الوزارة لا تجيد للأسف الشديد فن التعامل مع الجمهور ولا مع وسائل الإعلام، فهي مثلا لا تمتلك نظاما إلكترونيا متكاملا مثل مطراش الذي يلبي كل تطلعات المتعاملين مع خدمات وزارة الداخلية وحتى بوابة وزارة العمل الإلكترونية لا تقدم الخدمات بشكل متكامل فاليوم هناك رسائل تصل للناس بشأن الوظائف ظهرا ثم تلغى ليلا.. وفي هذا تلاعب بمشاعر الباحثين عن العمل!
ولهذا فنحن نقول لهم الأوْلى أن تهتم الوزارة بتطوير أنظمتها الداخلية وآليات تعاملها مع الجمهور والإعلام بدلا من الظهور أمام الرأي العام بشعارات براقة تتحدث بمثالية عن التوظيف والابتعاث والتقطير وهي تضع قيودا وعراقيل في بعض الملفات وعندما تتورط تبحث عن «السنابيين» لتلميع صورتها أمام المواطنين..!!

بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول


«سنابولي» المطاعم.. و«الهامبورغر» !
كان حرياً بوزارة التنمية الإدارية أن تشكر الوطن على تفاعلها الإيجابي ونقلها لردود الأفعال بواقعية كونها مرآة من مرايا المجتمع، وتتبنى الوزارة هذه الردود وتدرسها، ثم تعقد مؤتمرا صحفيا توضّح فيه ما توصلت إليه، سواء بالتمسك بقرارها مع توضيح الأسباب والأهداف واتباع سياسة الإقناع أو التراجع عنه وليس في ذلك عيب..
لكن الوزارة اتبعت أسلوبا جديدا وهو التعامل مع السنابوليين لتوصيل رسالتها.. وليس عندنا مشكلة معهم، بل بالعكس نحترمهم ونقدر جهودهم..
لكن كان ينقصكم الاختيار المناسب للشخص المناسب، فلو استعنتم بخالد جاسم أو حسن الساعي أو غيرهما من الشباب المثقفين الواعين لكنتم نجحتم في إيصال المعلومة، لكن اختياركم كان مثل بعض قراراتكم يفتقد للدقة!
فهـــذا «الســـــنابولي» الذي اخـــــترتموه يتحــــدث عــن أمور مهنية تفصيلية تحتاج لدراية وإدراك، لايمكـــــن لـه ولا لأي «مهرّج» أن يكون مقنعا عــند الحديث عن مواضيع جديّة وجماهيرية!
ومثل هذا السنابي بإمكانكم الاستعانة به عندما يكون لديكم احتفال كبير بمناسبة «تصفير» قائمة الانتظار للباحثين والباحثات عن العمل رغم ضآلة العدد المتقدم، قياساً بالوظائف الموجودة ولكن ربما الآلية المستخدمة هي ما تعوق وتعرقل العملية..
عندما تقيمون مثل هذا الاحتفال فبإمكانكم الاستنجاد به، فهو يفهم أكثر في بوفيهات المطاعم ووجبات الهامبورغر!!
copy short url   نسخ
10/06/2018
6605