+ A
A -
مع آخر أيام شهر القرآن، يجدر بنا كمسلمين، وقد أقبلنا على تلاوة كتاب الله، أن نعي ما فيه من القواعد الذهبية.
الفكر لا يواجه إلا بالفكر والحجة لا تقارع إلا بالحجة والرأي لا يحاجج إلا بالرأي والخضوع لا يكون إلا للدليل، فالذين يطلقون أحكاما جزافية على من يخالف رأيهم، وكأنهم يملكون صكوك الإيمان ومفاتيح الجنة والنار، لم يقرأوا كتاب الله تعالى بعين العقل، وكذلك الذين يواجهون الفكر بالرصاص ويزيدون الهوة اتساعا بين المختلفين في الرأي ويوسعون فتق الجدل على راتق التآلف، ويحولون الرؤى إلى حلبة صراع النصر فيها لصاحب العضلات القوية والحنجرة الجهورية.
الراجح أن هؤلاء جميعا لم يعوا آيات الكتاب المبين، ولم يتدبروا قول الحق تبارك وتعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، هذه الآية الكريمة قاعدة ذهبية أرساها القرآن الكريم في مجال الحوار ليس فقط بين أصحاب الآراء المختلفة وإنما بين المتخالفين في الدين نفسه.
إنه مبدأ الجدل بالحسنى لا بالسلاح، وبالتي هي أحسن لا بالتي هي أقوى جسدا أو سلطة أو أعلى صوتا وأكثر قدرة على الضجيج والصخب ذلك الذي يضيّع الحقائق ويحجبها خلف الحناجر، ذلك أن الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا أقوياء في الحجة ومواجهة الفكر بالفكر والرأى بالرأي، ولا يريد شتامين ولا مكفرين مهما بالغ المتطاولون في تطاولهم وأساؤوا الأدب.
إن الحوارات التي سجلها القرآن الكريم بين الانبياء والرسل من جهة وبين المنكرين الكافرين من الجهة المقابلة جميعها تؤكد أن كلا يقدم حجته وأن رفع السلاح لا يكون إلا إذا تعدى المنكرون مرحلة الحجة إلى مرحلة المواجهة العضلية أو المسلحة.
فها هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يحاور النمرود الذي يحاججه في ربه وهو حوار يضع أيدينا ويفتح عقولنا وعيوننا على نموذج راجح لمقارعة الحجة بالحجة وكأنما يقول لمن يعي هكذا تدحض أي فكر منحرف وبهذه الطريقة تواجه أي هجمات على مقدساتك ورموزك.
يقول تعالى «ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين»..
هذه أصول الحوار والاختلاف، لا قهر ولا تسلط، لا عنف ولا تجبر، هذا ديننا.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
10/06/2018
2107