+ A
A -
يقول إرنست ليفي:
ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما تأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال!
على أنَّ الفن ليس حكراً على خصور الراقصات، ولا حنجرات المطربين، ولا المسلسلات الهابطة... ويخلط الناس كثيراً بين ما يتخذه الآخرون باباً للاسترزاق وبين ما يحمل في طياته رسالة، وإني أحد الذين يؤمنون أن كل نشاط بشري لا يؤدي رسالة فإنه يهدم رسالة أسمى منه مهما صفق له الناس وكثُر مريدوه!
ولعلّني أوافق -على كراهة- بعض ما ذهب إليه شيخ الشيوعيين الضال كارل ماركس يوم قال: الرأسمالية ستجعل كل الأشياء سلعاً، الدين، والأدب، والفن وستسلبها قداستها!
المهم وبلا طول سيرة، ولا كثير فلسفة، من شاهد منكم المسلسلات التي تُعرض في رمضان، أو من سمع عنها، يعلم يقيناً أن كثيراً من المسلسلات تسير في وادٍ والمجتمعات التي من المفترض أن هذه المسلسلات تحكي واقعها تسير في وادٍ آخر! بعض الأعمال الدرامية تحاكي الواقع فعلاً، وتحمل في طياتها رسالة، والدنيا كما تقول جدتي وهي تتوسم الخير في الناس: «إن خلتْ بلَتْ»! على أية حال هي ستبلى نهاية المطاف! ولكن هناك مسلسلات يريد أن يقنعنا أصحابها أننا نشبه أبطالها بينما يُشاهدها الناس ويتساءلون: هل هذا يحدث فعلاً بين ظهرانينا؟! فأحداث هذه المسلسلات تخبر الناس عنا أننا مازلنا نعيش في الجاهلية، وأن الوحي لم ينزل على أمين الأرض بعد!
في مسلسل واحد تجد أن البنات اللاتي يحبلن من الزنا أكثر من اللاتي يحبلن من الزواج، للأم عشيق، وللأب عشيقة، والشباب في الاستراحات والمقاهي والمعاكسات! الشباب والفتيات الذين يملأون المساجد في صلاة التراويح لا مكان لهم في المسلسل، المجاهدون والمجاهدات في الجامعات ومقاعد الدراسة، أمهاتنا النقيات، آباؤنا الخيرون، زوجاتنا في المطابخ وتدريس الأولاد ومناشر الغسيل، جيراننا الذين نحبهم ويحبوننا كل هؤلاء لا مكان لهم في المسلسل أيضاً!
من هم أبطال مسلسلاتهم الذين يجب أن نتعاطف معهم ونقتدي بهم:
التي تخون زوجها لأنه أكبر منها سناً، هذه ضحية العادات والتقاليد، ضحية الفقر، والمجرم هو ذاك الزوج، هي من حقها أن تحب شاباً بعمرها، أن تخون المجرم الذي قدم لها بيتاً وعائلة مع الملاك الطاهر الذي ابتسم لها فشعرت بالدفء الذي تفتقده!
الذي يرتشي، ويأخذ مالاً حراماً مكرهاً لأن لديه أطفالا صغارا والراتب لا يكفي، هذا البطل المجاهد لولا وضعه الاقتصادي لكان أحمد بن حنبل ولكن الدنيا قاسية ودفعته مكرهاً إلى هذا العمل الخسيس!
التي تهرب مع حبيبها، فالحب لا يحتاج مبرراً إنه يبرر كل شيء!
الذي يقضي وقته وراء بنات الناس لأنه لم يجد احتواء داخل المنزل!
هذه هي مسلسلاتهم، وهؤلاء هم أبطالهم، أما أنتم، الزوجات المصونات كالدرر، الأبناء البررة، البنات اللاتي لا يرفعن عيونهن في وجوه آبائهن حياءً وإيماناً، الأزواج الذين يعودون إلى البيوت منهكين بعد رحلة البحث عن رغيف خبز وكرامة، شباب صلاة الفجر، صبية السنوات السبع الذين نمرنهم على الصيام، فتيات السنوات العشر اللاتي زينا لهم الحجاب والستر، العجائز على سجاجيد الصلاة وحبات السبحة، الشيوخ المتهالكون المتكئون على عصيهم في الطريق إلى المسجد، لا مكان لكم في المسلسل، الفن مرآة الواقع، وأنتم لا تعيشون هنا، أنتم سكان كوكب المريخ، انتظروا فقط أن يصبح هناك سينما!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
29/05/2018
3377