+ A
A -
فاجأتني رسوم حضانة، لطفلة لم تبلغ الثالثة من عمرها، بقيمة 36 ألف ريال سنويا، وهو مبلغ يكفي لزواج 12 عريسا في سوريا وغزة، ورسوم طالب بمستوى سابع في احدى المدارس ذات المنهاج الأجنبي 60 ألف ريال سنويا دون الباص والكتب والملابس، ضربت رأسي في المكتب حين قالت لي المسجلة: نعم هذه رسومنا في سنة واحدة، فقلت ولماذا؟، والمدارس الحكومية، فقالت لا تقدم تعليما مثاليا، فأجبت لا، التعليم الحكومي خرّج من يقود الاوطان الآن، وانت منه، ألست كذلك؟ خجلت، وضربت لها أمثلة تفوق لطلاب الحكومة ومنها لحالة طالبة في الرابعة عشرة من عمرها وصلت إلى جوائز اتحادات كتاب عرب واسمها ياسمين غسان الشملاوي... فلسطينية من نابلس، وقلت في مقدمة حواري عنها، حين تسمعها خلف المذياع غير المرئي، تعتقد انك تستمع لأديبة تجاوزت سن الحكمة، وحين يعرفها المذيع أو المذيعة ويقول لك انها في الرابعة عشرة تذهب بك الظنون إلى انها تقرأ من ورق امامها، ولكن حين تشاهدها تتحدث بطلاقة في حوار مباشر عبر فضائية تليفزيونية، تتوقف لتسمع إلى بوح فتاة نضجت في رحم الام، لتتشكل في الرابعة عشرة من عمرها أديبة لديها موهبة تضاهي كبار الأديبات العربيات.
هذه الفتاة تقول انها تلقت تعليمها في مدارس الحكومة واسمع كيف وصفت هذه الطالبة نفسها:
«ياسمين خرجت من رحم معاناة وطن مسلوب من يائه إلى الفه، وتلمست مع أقرانها أبجديات الطفولة المسلوبة والفرحة المبتورة» تتوقف كما توقف كل من استمعوا لحديثها عن ياسمين بقدرة رائعة في إلغاء الأنا، تتوقف لتلتقط أطراف سؤال ثان حتى تتمكن من مواصلة حوار مع اديبة هي نتاج وطن له حضارة عريقة وابنة مدينة تشتعل نارا وتقدم الشهيد تلو الشهيد، والدمع يسبق الدمع، ودمعة ياسمين لم تتوقف، وتخبئ بعض الدمع للقادم الضبابي حوار مع كاتبة طفلة عملاقة. حصلت على عضوية اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وكانت أصغر الكتاب في الاتحاد، وحصلت أيضا على لقب أصغر إعلامية في فلسطين وبعدها أصغر إعلامية في الوطن العربي، ورشحها اتحاد الكتاب المصريين في أن تكون ياسمين ضمن أفضل ألف كاتب وأديب وإعلامي في الوطن العربي ومن بعدها كانت ياسمين أصغر أفضل ألف كاتب وأديب وإعلامي عربي... وفي نهاية 2009 كانت في القائمة التي تضم أفضل عشرة كتاب في الوطن العربي،
هذا نتاج تعليم حكومي اخلص في التعليم، وإني لأرى التعليم الحكومي في هذه المرحلة قادرا على ان يعد جيلا بمستوى ياسمين.
كلمة مباحة
أرضع ابنك وابنتك حب الوطن ليكن عصي الكسر فالمرحلة تحتاج إلى ارتفاع بناء الانسان لا ارتفاع البنيان.

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
25/05/2018
2792