+ A
A -
«المحبوب» هو الزعيم الماليزي مهاتير محمد الذي لا يمكن لأحد أن يشكك في شعبيته وجماهيريته، فقد حكم الرجل ماليزيا بقبضة حديدية على مدى 22 عاما استطاع خلالها نقل بلاده إلى مصاف الأمم الناهضة. وفي الوقت نفسه تمكن من التوغل في مفاصل الدولة والمجتمع حتى صارت ماليزيا لا تذكر إلا ويذكر معها اسمه.
وأما «المحبوس» فهو الزعيم الماليزي المعارض أنور إبراهيم الذي كان قاب قوسين أو أدنى من خلافة مهاتير في حكم البلاد لولا أن الأخير، وهو صديق عمره ورفيق دربه وزميله الأبرز في الحزب الحاكم والشاهد على زواجه، طعنه في ظهره وشرفه حينما اتهمه بجملة من التهم ابتداء من ممارسته اللواط مع سائقه وانتهاء بالعمل لصالح المخابرات المركزية الأميركية ومرورا بالسرقة والفساد وقبض العمولات، ثم قام بمحاكمته وزجه في المعتقل، الأمر الذي جعل قسما كبيرا من الماليزيين يتعاطفون معه.
من غرائب الانتخابات الماليزية التي جرت مؤخرا هو أن «المحبوب» تحالف مع «المحبوس»، للإطاحة برئيس الوزراء «نجيب رزاق» تحت مزاعم الفساد. والغرابة هنا ليس مصدرها «المحبوس» الذي أدخله رزاق السجن مجددا بتهمة الفساد (فهذا وحده يكفي كمبرر لإبراهيم كي ينتقم سياسيا من رزاق)، وإنما مصدر الغرابة هو «المحبوب» الذي استقال طواعية سنة 2003 معلنا تقاعده عن العمل السياسي، فإذا به يعود اليوم وهو في سن الـ 92 ليسدد ضربة قاضية ليس فقط للحزب الذي تربى وتدرج في كواليسه نائبا برلمانيا فوزيرا فرئيسا للحكومة في عام 1981، وإنما ليسدد ضربة أيضا لابن الرجل الذي تبناه سياسيا في بدايات مشوراه وهو والد رزاق (الأمير تون عبدالرزاق، ثاني رؤساء حكومات ماليزيا).
في 30 يوليو 2017 كتبنا مقالا بعنوان «مهاتير يسعى للعودة إلى السلطة»، أخذنا فيه عليه محاولاته تشكيل تحالف مع بعض القوى السياسية المعادية له من أجل الإطاحة بمن أتى به بنفسه إلى السلطة أي نجيب رزاق، علما بأن إطاحته بساسة تربوا على يده في دهاليز «حزب المنظمة الوطنية المتحدة لشعب الملايو» (أومنو) تكررت مرارا، فقد اصطدم قبل أنور إبراهيم بنواب له من أمثال موسى حاتم وتنكو رضا لأي حمزة. كما اصطدم بخليفته عبدالله أحمد بدوي، بل وصل الأمر به إلى وصفه بـ«بقلا» وهي مفردة بذيئة تطلق على الشخص الرخو.
الكثيرون سخروا وقت نشر مقالنا المذكور حول فكرة عودة مهاتير إلى السلطة، قائلين إن الرجل أدى مهمته وخلد للراحة، فقلنا لهم صبرا استنادا. وحينما صدقت توقعاتنا قالوا إن «المحبوب» عاد فقط لينظف البلد من الفاسدين».
يقال اليوم إن مهاتير سوف يمسك بالسلطة لمدة لن تتجاوز العامين، ثم يسلمها لإبراهيم الذي خرج مؤخرا من المعتقل بعفو ملكي شامل. وهذا طبعا شيء جميل، لأن السلطة بحاجة دائمة لدماء شبابية جديدة كيلا تتكلس مفاصل الأمة (رغم أن إبراهيم لم يعد شابا).
لكن يبقى السؤال هل يمكن لمهاتير أن يشاهد إبراهيم زعيما لماليزيا يطبق أجندته المعروفة التي لطالما كانت مصدر خلاف بينهما، وهي أجندة تطبيق الشريعة الإسلامية، دون أن يتدخل مرة أخرى؟ وفي هذا السياق يتذكر متابعو الشأن الماليزي أن إبراهيم أسس في عام 1971 حركة الشبيبة الإسلامية واستخدمها كمنبر لمعارضة نهج الحكومة المعتدل، مما أدى إلى اعتقاله بموجب قانون الأمن الداخلي. ورغم هذا اختاره مهاتير لاحقا كوزير للتعليم ثم كوزير للشباب والرياضة من أجل كسب دعم من كان يمثلهم من شباب حزب «أومنو» الحاكم. ويصف الماليزيون الوسطيون الحقبة التي أمسك فيها إبراهيم بتلك الحقيبتين بالحقبة التي شهدت بدء أسلمة مظاهر الحياة داخل دور العلم، وانتشار «التودونغ» (المرادف الماليزي للحجاب) وزيادة الجرعة الدينية في المناهج.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
20/05/2018
2274