+ A
A -
يُصادف اليوم الذكرى السبعين للنكبة، وما يزيدُ هذه الذكرى مرارة، أنه يُقابلها على الطرف الآخر الذكرى السبعون لقيام المسخ الحقير المسمى «دولة إسرائيل»!
وكما جرت العادة كل سنة لا بُدَّ أن تسمع بعض الفلسطينيين يقولون: لقد خان العرب فلسطين! وتسمع بعض العرب يقولون: لقد باع الفلسطينيون أرضهم! والناس جميعاً يجيدون تعليق مآسيهم على مشاجب الآخرين وإن المشاكل أينما عُلقتْ لن تُحل، لا يحلُّ المشاكل سوى أن يجلس المرءُ أمامها بشجاعة ويقرر أن يفهم لمَ حدثتْ، ثم يعمل على إزالة أسبابها، وغير هذا ليس إلا نفخاً في قِربةٍ مثقوبة لا تُحدث نغماً فضلاً أنها تُسبب ألماً في حلق النافخ وأذية في أذن السامعين!
قضية فلسطين على تعقيداتها ليست عصية على الفهم برأيي، وسبب حدوثها وعلاجها يتلخّصْ بكلمات قليلة هي:
العرب لم يخونوا فلسطين، والفلسطينيون لم يبيعوها، فلسطين سُرقتْ من الأُمة في حالة جهل وبعد عن الله، ولن تعود إلا بحالة وعي وقرب من الله!
إنّ الذي يفترضُ أن البلدان تُحتل لأن هناك خيانة أو بيعا لم يقرأ التاريخ جيداً، أو أنه قرأه ولكن لم يفهمه جيداً! قديماً لم يبع أحدٌ بغداد للمغول، وكذلك لم يخنها أحد حدَّ سقوطها، وابن العلقمي أُعطي دوراً في سقوطها أكبر مما يمكن لرجل واحد أن يقوم به! بغداد كانت ساقطة من الداخل، منخورة بالفساد والجهل والبعد عن الله حتى العظم، وما زاد المغول إلا أن أطلقوا عليها رصاصة الرحمة! وبنفس الطريقة ولذات الأسباب سقطتْ الأندلس، وتهاوت الممالك هناك، تهاوت بغير صكوك بيع ولا خيانة، تهاوت بالفساد الذي استشرى فيها، بترف شعوبها وقلة همة حكامها، وعندما قام الأوروبيون ليسقطوها وجدوها هشة تقاوم على استحياء!
عندما قسمت بريطانيا وفرنسا بلادنا على الورق في سايكس بيكو، كان عند المسلمين خليفة، ولم يكن هناك حكام متفرقون لنحملهم إثم الخيانة، وكان كل سكان البلاد رعايا هذه الخلافة بلا جنسيات لنحمل طائفة منهم بيع قطعة أرض! وعندما أراد اليهود فلسطين لم يكن للبلاد العربية حكام ليخونوا ولا يهود يشترون الأراضي، جاؤوا إلى السلطان عبدالحميد ودفعوا له مبالغ طائلة، فوقف موقفه المشرف الذي تعرفونه جميعاً!
إن قرار أن تكون فلسطين مرسومة بهذه الحدود لم يتخذه العرب، ولا الفلسطينيون، وعندما سلم الإنجليز فلسطين لليهود لم يشاوروا العرب ولا الفلسطينيين، كل ما في الأمر أننا كنا أضعف من أن نخون، وأذل من أن يُعرض علينا صفقة بيع، إن هذا العالم غابة تحكمه الأسود، والأسود لا تهتم بآراء الخراف ولا تستشيرها أصلاً في مصيرها، إن الخراف تُؤكل، لأنها ضعيفة لا لأنها خائنة ومتخاذلة، هذه هي المعادلة ببساطة ولقد كنا، ومازلنا، الخراف التي تُؤكل دون أن يكون لها خيار آخر!
حُررت بغداد من المغول، بعدما زال سبب سقوطها، عندما صار عندنا وعي، والأهم من الوعي عندما كنا مع الله، وحُرر بيت المقدس من الصليبيين بعدما زال سبب احتلاله، عندما حل الوعي مكان الجهل، والبعد عن الله بالقرب منه، فلسطين سُرقت منا لأن الأمة كلها كانت جاهلة انطلتْ عليها خديعة أعدائها، وضعيفة منقادة، وبعيدة عن الله إلى الحد الذي زهد فيها فتركها للأسباب التي تحكم الكون! نعم فينا الصالحون، وفينا الطيبون، وفينا الشرفاء، وفينا العلماء، ولكن العزة والتمكين واسترجاع فلسطين، شأن أمة بكاملها وليس شأن أفراد، لتعود فلسطين لابد أن تعود هذه الأمة صالحة طيبة شريفة واعية، والأهم أن تعود إلى الله!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
15/05/2018
5650