+ A
A -
كنت إلى قريب احترم القول الدارج: «امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة»، وذلك لسببين رئيسيين أولهما: أننا في زمن ترتفع فيه معدلات الطلاق في مجتمعات عربية عدة أكثر من معدلات ارتفاع أسعار البترول، ففي مرات عديدة كانت تنخفض فيها أسعار البترول في أسواق الطاقة العالمية رغم الحاجة الدولية الملحة إليه، أما الطلاق فلا تنخفض له معدلات، فمنسوبه دائماً يلتهب إلى ارتفاع، حتى أن الزواج صار يعقد على ورقة طلاق، وثانيهما: انه لا ينبغي على المرء أن يتدخل في علاقة ينبغي أن يرسي طرفاها دعائمها الوطيدة، وأن كيمياء التلاقي والقبول ينبغي أن يحجب عنها الغرباء، وأنه يمكن للأسرة أن تتدخل بالنصح والإرشاد والتوعية، حتى لا تتسبب مرآة الحب العمياء في زواج سريع تنتهي مدة صلاحيته بسرعة، وحتى لا يتم تحت ضغوط الحياة حرق المراحل إلى الزواج على عجل بغير تأني ودون إمعان التفكير، بينما ينبغي أن يتخذ العقل والقلب معاً القرار بروية وحكمة
لكل ذلك يفترض أن تغلق «الخاطبة» دكانها الاجتماعي وتشهر إفلاسها، فالوعي يفترض في أصحابه أن يكونوا قد تبينوا أن أساليب الخاطبة لم تعد تليق بهذا الزمن، وأن دورها في الزواج هو مجرد دور نفعي يصب في جيبها، ولا يحقق غالباً زواجاً سعيداً مستديماً.
ومع ذلك أرادني صديق شاب التدخل لدى والده الذي يريد تزويجه من خلال خاطبة، بينما هو مرتبط منذ فترة ليست قليلة بشابة كاتبة وشاعرة ولكنها معاقة حركياً، غير أن والده يتوعده بحرمانه من الشقة وأيضاً من الميراث إن تزوج حبيبته ولم يمتثل لرغبته في تزويجه فتاة عن طريق الخاطبة يراها هذا الشاب، كما غفير الدرك، ومن ثم وجدت نفسي بين نقيضين، أولهما: تأييدي وتعاطفي الشديد مع موقف هذا الشاب المثقف ورفضي كلياً منهج هذا الأب في الزواج، وثانيهما: تصديقي للمثل السالف الذكر: امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة، خاصة أن مهنة هذا الشاب، وهي الاشتغال بالكتابة والصحافة، لن تمكنه من الاعتماد على نفسه، لو نفذ والده تهديده ووعيده بالحرمان من الشقة والميراث، ولاح لي الأب شخص يصعب تغيير موقفه، ودائم القول لابنه إنه في شبابه تزوج من والدته عن طريق خاطبة، فلماذا لا يفعل الشيء نفسه ويعيش في جلباب أبيه، ولكل ذلك وجدت أنه لا جدوى تذكر من التدخل، فقد لا ينوبني من المسألة إلا سماع ما لا يطيب لي سماعه، وقد تحتقن مواجهتي مع الأب إلى حد تقطيع ملابسي، لذا اخترت النأي بالنفس.
الابن، وهو لا يفتقر إلى الذكاء، قرر اتباع الحيلة بالمهادنة حتى حصل على ما يريد، فقنص الشقة وضحى بالميراث، ولكنه سجل لدى المأذون في أسبوع واحد الطلاق من الزوجة التي أرغم عليها والزواج عند نفس المأذون من الفتاة التي يحبها واختارها بقلبه وعقله رغم إعاقتها!

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
15/05/2018
2228