+ A
A -
المرأة في الخطاب التراثي، مخلوقة من أجل الرجل، ووظيفتها في الحياة: إمتاع الرجل، والإنجاب، استمع إلى شيخ المفسرين الإمام الرازي المتوفى 606 هجرية، صاحب التفسير الأكبر والأشهر (مفاتيح الغيب)، يفسر قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) يقول رحمه الله تعالى: قوله تعالى (خلق لكم) دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، مصداقاً لقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)
لكن إذا كان النساء خلقن مثل الدواب والنبات، فلماذا يكلفن بالعبادة؟!
يجيب الإمام: مقتضى الآية أن لا تكون المرأة مخلوقة للعبادة والتكليف مثل الرجل: نقلا وحكماً ومعنى.
أما النقل، فهو هذه الآية وغيرها، وأما حكماً، فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلّف الرجل بها، وأما معنى أو عقلاً، فلأن المرأة ضعيفة الخلق، سخيفة، فشابهت الصبي، فكان من المناسب عدم أهلية المرأة للتكليف، مثل الصبي غيرالمؤهل.
إذا كان الأمر كذلك، إذن لماذا كلفت المرأة بالعبادة؟ يجيب الإمام: ذلك من تمام النعمة على الرجل، فالنعمة ما كانت تتم على الرجل، إلا بتكليف المرأة، حتى تخاف المرأة العذاب، فتنقاد للزوج ولا تعصيه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد.
هذه نظرة شيخ المفسرين للمرأة أنها خلقت كالدواب والنبات، فإذا انتقلنا إلى عالم آخر، قيل عنه ملء الأرض علماً ونوراً، ذلك هو حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي المتوفى 505 هجرية، والذي قال صاحب كشف الظنون عن كتابه إحياء علوم الدين أنه من أجل كتب المواعظ وأعظمها.
حشد الإمام العظيم مئات المرويات الحديثية الضعيفة، والقصص الشعبية التي تسيء إلى المرأة وتحط من قدرها وتدعم حبسها في البيت، فالمرأة عند الإمام: سيئة الخلق، ركيكة العقل، معوجة الطبع، ماكرة، إذا أكرمتها أهانتك، وإذا أهنتها أكرمتك، وهي مجموعة عورات، فإذ تزوجت فإن زوجها يستر عورة واحدة، كونها رقيقة- من الرّق- عند زوجها! حتى إذا ماتت ستر القبر عوراتها!
وغني عن البيان أن هذا الكتاب المزدري للمرأة، وبالرغم من الأحاديث المكذوبة والحكايات الزائفة التي امتلأ بها، تم الترويج له والاحتفاء به بحماسة بالغة عبر طبعات عديدة، حتى قيل: لو ذهب كتب الإسلام وبقي الإحياء، أغنى عما ذهب!! ولكن لماذا ترويج كتاب امتلأ بمرويات ضعيفة؟! يجيب المدافعون المتحمسون: الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال! ولكن هذا قول غير مقبول، كيف نربي الأمة ونؤسس أخلاقياتها وقيمها على مرويات ضعيفة؟! أليس في الصحيح ما يغنينا عنها؟!
أما الإمام الذهبي، وهو إمام بارز في الحديث والتاريخ، توفي 748 هجرية، وصاحب أشهر مؤلف في الكبائر، متداول بين الجمهور، ويطبع طبعات كثيرة، لوجه الله تعالى، فالمرأة، عنده، عورة يجب حبسها في البيوت، لأنها إذا خرجت، استشرفها الشيطان، والنصيحة الذهبية التي يقدمها للزوجة، أن تكون مثل المملوك لزوجها.
في ظل هذه الثقافة الاجتماعية المنتقصة للمرأة، وفِي سياقها الاجتماعي، تمت قراءة النصوص القرآنية، قراءة متحيزة ضد المرأة، كما تم تصحيح المرويات الحديثية المنتقصة منها، فهي كائن مخلوق لإمتاع الرجل، ناقص الرشد، متهم في سلوكه، ينبغي تقييده بالبيوت خشية الانحراف أو الافتتان، لا يصح تصرفه بدون إذن الرجل الولي.
ختاماً: هذه مجرد نماذج للخطاب التراثي من المرأة، مع تأكيد أني لا أهدف إلى الانتقاص من جهود هؤلاء العلماء الأعلام، أو المساس بمكانتهم الدينية والعلمية العالية، بل أقر بفضلهم وسبقهم، لكنني أتفهم أنهم أبناء زمنهم، وتلك الثقافة الاجتماعية السائدة في مجتمعهم وعصرهم، ولم يكونوا بدعا بين العلماء، فكافة علماء عصرهم، كانوا مثلهم في نظرتهم للمرأة: فقيهاً أو محدثاً أو فيلسوفاً أو مفكراً أو أديباً أو شاعراً، وإنما الهدف، تنوير القارئ بطبيعة الثقافة الاجتماعية السائدة في العصور السابقة، وتأثيرها السلبي على الخطاب الديني الذي وصل إلينا في هذا العصر، وأنه لا يمكن تجديد الخطاب الديني السائد، إذا لم يسبقه خطة جادة لتفهم تلك الثقافة، والعمل على تفكيكها.
بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
14/05/2018
3788