+ A
A -
يُحكى أن أولاد رجل ثري انتظروا موته ليَرِثُوه، ولكن عُمْر الوالد طال، فنفد صبرهم، وقرروا أن يقتلوه.. ولكن الابن الصغير أخبر والده بما خطط له إخوته...
فكر الأب في طريقة ينجو بها، وأخيرًا ارتأى أن يطلب من أولاده أن يحملوه قبل موته في التابوت كأنه ميت فعلاً، ويدفنوه حيًا بشرط أن تنتهي الجنازة عند بيت حاكم البلدة!
وافق الأبناء العاقون على عرض والدهم، فالمهم عندهم أن يرثوا ماله، حملوه في التابوت، معلنين موته، ومشى الناس في الجنازة وهم لا يعلمون ما كان بين الأب وأبنائه، وعندما وصلت الجنازة إلى بيت الحاكم، قفز الأب من التابوت، وقال له: «أيها الحاكم أيرضيك أن يدفنني أولادي حيًا؟!».
فقال له الحاكم: أمجنون أنت؟! أتريدني أن أكذب كل هذا الحشد الماشي من جنازتك، وأصدقك في ادعائك أنك لم تمت!
ثم التفت إلى الناس وقال لهم: ادفنوه!
هذه القصة رمزية بلا شك، والمراد منها ومن أمثالها من القصص الدرس الذي تنضوي عليه، والفكرة التي قامت بها، وهذا ميدان إعمال العقل فيها، لا من حيث منطقية أحداثها، وإمكانية وقوعها فعلاً، وفي الأدب باب شاهق من هذا كالقصص السائرة على ألسنة الحيوانات، ولا تكاد تخلو أمة من الأمم إلا وفي أدبها الشعبي أو الفصيح أو في كليهما حظ من ضروب هذه الحكايا، أما في العبرة والدرس والمغزى فمتروك لذهن القارئ يستخلص منها على قدر ما أوتي من فهم واستدلال وإسقاط على الواقع!
برأيي أن الجنازة ترمز إلى الرأي العام في المجتمع، والحاكم يرمز إلى الناس الذين يقعون ضحية هذا الرأي العام!
والرأي العام منتج تتم صناعته، ويغدو مع الوقت حقيقة من العسير مجابهتها، وقلة من الناس من يملكون جرأة السباحة عكس التيار، فالأكثرية غالبًا ما تتبنى الرأي العام على أنه من المسلمات التي لا يجوز إعمال العقل بشأنها، تمامًا كما كذّب الحاكم عينيه وأذنيه، وصدق الرأي العام الذي قضى أن الرجل قد مات فعلاً!
يقول سعيد تقي الدين: الرأي العام بغل كبير!
والسبب في قوله الصائب برأيي أن الرأي العام صنيعة الحكومات، فإن حكومات أهل الأرض إذا أرادت أن تصنع رأيًا عامًا، جيشت أسلحتها: التلفاز، والصحف، والانترنت، والمنابر.. وقطرة الماء تحفر في الصخر لا بالقوة، ولكن بالإصرار كما يقول ابن حزم، فإذا هرب الإنسان من التلفاز تلقته الصحيفة، وإن هرب من الصحيفة، تلقاه المنبر، وما يلبث أن يصبح له رأي المجتمع، أو بالأحرى رأي الحكومة!
ختامًا: يقول الأميركي الجميل «مالكوم إكس»: إن تكن فطنًا، فإن الإعلام سيجعلك تكره المظلومين وتحب من يمارس الظلم!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
13/05/2018
2960