+ A
A -
أَهربُ، أَهربُ منه إليه، أرتمي في مَوجه كُلَّما جَلَدَنِي الوقتُ، وأنا بدونه تلميذةٌ فاشلة في مدرسة الحياة، في كل مرة أَجِدُ مُقَرَّرَ الحياة أكبرَ مِنْ أَنْ أَفْهَمَ فلسفةَ الحياة، أُدَاوِي خيبَتِي بانتظاري له هو القَمَر الحالِم بأَنْ يَمُدَّ إليَّ يَداً تَرْفَعُني إليه.
أَقُلْتُ القَمَرَ؟!
أَجَل قُلْتُها، أَجَل، أَقُولها وأُعِيدُها لِأُلَوِّنَ دُنيايَ بنظرته الراضية كُلَّما لُذْتُ به فَأَوْلَى اهتِمامَه بِيَ، وما وَجَدَ عَناءً في أن يُصَوِّرَ لي الدنيا قصيدةً، قصيدة تُمَوْسِقُ أيامي الهاربةَ بي إلى حضنه كَمَا تَهْربُ إليه صغيرتُنا «فَوْز».
كَمْ مَرَّة أقول لنفسي: تَمَهَّلِي، تَمَهَّلِي يا صَغيرتَه، وأَضْمِرِي شيئا مِن الحنين حتى لا يَتَدَلَّلَ قُدَّامَ صَرْحِ المشاعر الذي تَبْنِينَهُ لَهُ وأنتِ تَزفِّينَ البَسمةَ إلى شَفَتَيْه كما تَزفُّ الغيمةُ مطرَها إلى حَبَّات التراب العَطْشَى...!
بِأصابع ذائبة أَحْلُبُ تِينَ التَّأَهُّب لموعِده هو الهارب مِن حقيبة النسيان، أَرَاهُ في كُلّ مَرَّة يَرسم لي فراشةَ السعادة بإحساسِ الفنان، أيَّامي فناجين قهوة عربية أَسْكُبُها في فَمِ رغبتِه في امتصاص غضبِ القلب الذي يُجافيه موسمُ الحُبّ كلما عَصفَتْ رياحُ الظروف الحالِفة ألا تَرحمَ.
«فَوز يا فَوزنا!»، هكذا يُداعِبُ صغيرتَه وهو يَتَأَبَّطُ حقيبتَها المدرسية لِيُجَدِّدَ الذكرى بإحساس الطفولة الذي يَسقط مِن حسابات الوقت كما يَسقط بدون مظلَّةٍ مُغامِرٌ مِن هواة ركوب الطائرات، وتَتراقَص في عينيه دموعُ الزمن المسروق ولا حيلة لإعادته إلى دائرة الضوء.
أَجْرِي كنَهْر الرغبة لِأَفْتَحَ بابَ الحياة على مَن أُسَمِّيه الحياةَ، أَلْتَقِطُ أَنْفَاسي بعد قُبْلَةٍ حارَّةٍ تُحَدِّدُ جُغرافيتَها صغيرتي «فوز»، فيَقول لي الخاطفُ يدَها مِن يَدي: ما أحلى أن أَرَاها بِعينَيْكِ، أُجِيبُه على الفور: فيها شيء مِنِّي، لكنَّها بَعضٌ مِنْكَ.
سَأُسَمِّينِي مطرَه الحالِم بِسَفَر لا يَنتهي في حقول دِفْئِه هو الراغِب في وَصْلِ سمائي، سَأُسَمِّينِي مَطَرَه الآيِل للسقوط مع كُلّ فجرٍ يَلوح في أُفُقِ الأحلام الوردية تلك التي يَيْنَعُ فيها وَرْدُ الخَدّ المتفتِّح صبيحةَ كُلِّ جَنَّة على الأرض، سَأُسَمِّيني مَطَرَه الرافِض أَلاَّ يُغادِرَ مدينةَ الحُبّ الْمُضيئة بِعُروضِه التي تُلْهِيني عن الانشغال بِسِواه، سَأُسَمِّيني مَطَرَه العابِر لِحُدود اللهفة على لُقْيَاه، سَأُسَمِّيني مَطَرَه الضارِب لِعَيْنَيْه موعِدا عند شُرفة القلب الذي يَصْبُو إلى مناجاتِه مع كل دُنُوّ، سَأُسَمِّيني مَطَرَه الصامِد قُبَالَةَ قَيْظ الروح التي أَقْسَمَتْ ألاَّ تَهْتِفَ بِسِوَاه...
نافِذَةُ الرُّوح:
«جَرِّبْ، جَرِّبْ أنْ تَفتحَ أُذُنَيْكَ لِتَسمعَ النصيحةَ الأخيرةَ قبل أنْ أُغْلِقَ فَمي في وَجْهِ نَزَقِكَ».
«سَيُعْلِنُ القلبُ العصيانَ حين يَنْقادُ العقلُ لشيطانه الأمَّار بالتصفية لا التضحية».
«أنْ تُضَحِّيَ بي خير مِن أنْ تُضَحِّيَ مِن أجلِ مَن لا يَستَحِقُّكَ».
«طائرُ الفَرَح الْمُؤَجَّل يُلْقِي بِنَفْسِه مِن نافذة الشوق».
«رَتِّبْ دفاتِرَكَ يا فَمِي قَبْلَ أن تَقولَ كلمةً تَندم عليها».
«سَأَمْسَحُ حِذائي جَيِّداً يا زمنَهُم، أَعْرِفُ أنَّ الأَوْباشَ سَيَلْعَقُونَه تباعا».
«فِي انتظارِكَ كَيْدٌ وَقَيْدٌ.. فَإِمَّا الموت، وإمَّا الموت».
بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
10/05/2018
2894