+ A
A -
البارحة زفَّتْ صحيفة نيويورك تايمز إلى البشرية خبراً تقول فيه:
جائزة نوبل للأدب لن تُمنح هذا العام، لأن اللجنة الأكاديمية المسؤولة عنها تغرقُ في فضيحة تحرشٍ جنسيّ!
بعيداً عن قضيّة التحرش الجنسي، يعرفُ الجميع أن جائزة نوبل للأدب طالما خضعتْ لمعايير غير أدبية! فعلى عكس جوائز نوبل للمجالات العلمية كالكيمياء والفيزياء والطب التي تُعتبر إلى حدٍّ بعيد صادقة ومستحقّة، تقفُ جائزة نوبل للأدب رهينة تجاذبات فكرية وعقديّة وسياسيّة... فمن السهل مثلاً أن يحصل كاتب على جائزة نوبل للأدب إذا تناول في روايته المحرقة اليهودية! بينما الصعود إلى القمر بدراجة هوائية أسهل من الفوز بجائزة نوبل للأدب لكاتب تناول في روايته المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحقِّ العرب، مهما كانتْ تلك الرواية رائعة في سردها وبنيتها الروائيّة!
وكي لا يبدو الكلام رجماً بالغيب، عندما منحتْ اللجنة الأكاديمية جائزة نوبل للأدب للروائي «بوريس باسترناك» عن روايته «الدكتور زيفانجو» التي يتناولُ فيها دكتاتورية الحكم الشيوعي يعرفُ الجميع أن الجائزة قد مُنحت له بضغطٍ من المخابرات الأميركية والمخابرات البريطانية! على أية حال أجبر النظام الشيوعي باسترناك على رفض الجائزة! وإن كان باسترناك قد رفضها قهراً، فقد رفضها كل من سارتر وبرنارد شو طوعاً!
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قضية الجنس في الأدب، أوغل في التاريخ، وأبعد عمراً من «ألفرد نوبل» وجائزته، ولا أعتقد أن أمة من الأمم دوّنتْ أدباً لم يحمل إيحاءات جنسيّة أو تصريحات، بدءاً «بإلياذة هوميروس»، مروراً بأدبنا العربيّ الذي أخذ حظّه الوافر من القضية! ويحفظُ دارسو الأدب على سبيل المثال لا الحصر هجاء «ولادة بنت المستكفي» لحبيبها «ابن زيدون» بعد خيانته لها مع خادمتها! ولم يخلُ أدب «نجيب محفوظ» من بعض هذا الشيء! وعند الغربيين حدِّثْ ولا حرج، كتابات «هنري ميللر» زاخرة بالإباحية، «والماركيز دو ساد» ترك وراءه أدباً فاحشاً، وما قصّر «لورانس» في روايته «عشيق الليدي تشاترلي»!
ولكن يبقى الأدباء كغيرهم من الناس، كالأطباء، والمهندسين، ولاعبي كرة القدم، والنجارين، وكانسي الطرق، وعاملي المصانع، منهم المريض ومنهم الصحيح، وفيهم المكبوت والمُعافى، والطيب والشرير! وإن كان بعضهم ترك أدباً جنسياً تقشعر له الأبدان، إلا أن بعضهم ترك أدبا إنسانياً تُرفع له القبعة! ولكن أن تكون علاقة الأدب مع الجنس حبراً على ورق شيء، وأن يستسلم أعضاء اللجنة المانحة لجائزة نوبل للأدب لغرائزهم شيء آخر!
كانتْ جائزة نوبل للأدب متهمة في مصداقيتها من قبل قضية التحرش هذه، فكيف وقد أضافوها إليها؟! ولا يسعني في الختام إلا أن أُهنّئ نفسي وزملائي الكُتَّاب الذين لم يكونوا من ضمن المرشحين للجائزة، نحن براءة ولم يتحرش بنا أحد!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
06/05/2018
2563